نهاية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ٣٤٢
حسب ما له من مرتبة الوجود، فالواجب لذاته رب للعالم مدبر لأمره بالإيجاد بعد الايجاد، وليس للعلل المتوسطة إلا أنها مسخرة للتوسط من غير استقلال، وهو المطلوب، فمن المحال أن يكون في العالم رب غيره، لا واحد ولا كثير.
على أنه لو فرض كثرة الأرباب المدبرين لأمر العالم - كما يقول به الوثنية (1) - أدى ذلك إلى المحال من جهة أخرى وهي فساد النظام. بيان ذلك: أن الكثرة لا تتحقق إلا بالآحاد ولا آحاد إلا مع تميز البعض من البعض، ولا يتم تميز إلا باشتمال كل واحد من آحاد الكثرة على جهة ذاتية يفقدها الواحد الآخر، فيغاير بذلك الآخر ويتمايزان، كل ذلك بالضرورة، والسنخية بين الفاعل وفعله تقضي بظهور المغايرة بين الفعلين حسب ما بين الفاعلين، فلو كان هناك أرباب متفرقون، سواء اجتمعوا على فعل واحد أو كان لكل جهة من جهات النظام العالمي العام رب مستقل في ربوبيته كرب السماء والأرض ورب الإنسان وغير ذلك، أدى ذلك إلى فساد النظام والتدافع بين أجزائه، ووحدة النظام والتلازم

(١) أقول: إن البحث عن انتفاء الشريك يقع في جهات ثلاث:
الجهة الأولى: انتفاء الشريك عن الله في الوجوب الذاتي. وهي ما مر في الفصل السابق.
الجهة الثانية: انتفاء الشريك عنه في استحقاق العبادة. والوثنية خالفنا في هذه الجهة.
وهي خارجة عما يبحث عنه في هذا الفصل.
الجهة الثالثة: انتفاء الشريك عنه في الربوبية والمدبرية والخالقية. وهي ما يبحث عنه في هذا الفصل. ولم تكن الوثنية مخالفا لنا في هذه الجهة، بل المخالف في هذه الجهة هو الثنوية لا الوثنية. قال في شرح المواقف: (واعلم أنه لا مخالف في هذه المسألة إلا الثنوية دون الوثنية، فإنهم لا يقولون بوجود إلهين واجبي الوجود، ولا يصفون الأوثان بصفات الإلهية، وإن أطلقوا عليها اسم الآلهة، بل اتخذوها على أنها تماثيل الأنبياء أو الزهاد أو الملائكة أو الكواكب واشتغلوا بتعظيمها على وجه العبادة توصلا بها إلى ما هو إله حقيقة. وأما الثنوية فإنهم قالوا نجد في العالم خيرا كثيرا وشرا كثيرا وأن الواحد لا يكون خيرا شريرا بالضرورة، فلكل منهما فاعل على حدة، فالمانوية والديصانية من الثنوية قالوا: فاعل الخير هو النور وفاعل الشر هو الظلمة... والمجوس منهم ذهبوا إلى أن فاعل الخير هو يزدان وفاعل الشر هو اهرمن، ويعنون به الشيطان) راجع شرح المواقف ص ٤٧٩.
ومن هنا يظهر خطأ المصنف رحمه الله هاهنا حيث نسب القول بكثرة الأرباب إلى الوثنية.
(٣٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 337 338 339 340 341 342 343 344 345 346 347 ... » »»
الفهرست