ويظهر منه أن قولهم: (إن التعقل إنما هو بتقشير المعلوم عن المادة وسائر الأعراض المشخصة المكتنفة بالمعلوم حتى لا يبقى إلا الماهية المعراة من القشور، بخلاف الاحساس المشروط بحضور المادة واكتناف الأعراض المشخصة، وبخلاف التخيل المشروط ببقاء الأعراض والهيئات المشخصة دون حضور المادة) (1)، قول على سبيل التمثيل للتقريب. وحقيقة الأمر أن الصورة المحسوسة بالذات صورة مجردة علمية، واشتراط حضور المادة واكتناف الأعراض المشخصة لحصول الاستعداد في النفس للإدراك الحسي، وكذا اشتراط الإكتناف بالمشخصات للتخيل، وكذا اشتراط التقشير في التعقل للدلالة على اشتراط إدراك أكثر من فرد واحد لحصول استعداد النفس لتعقل الماهية الكلية المعبر عنه بانتزاع الكلي من الأفراد.
الثاني: أن أخذ المفهوم وانتزاعه من مصداقه يتوقف على نوع من الاتصال بالمصداق والارتباط بالخارج، سواء كان بلا واسطة كاتصال أدوات الحس في العلم الحسي بالخارج، أو مع الواسطة كاتصال الخيال في العلم الخيالي بواسطة الحس بالخارج، وكاتصال العقل في العلم العقلي من طريق إدراك الجزئيات بالحس والخيال بالخارج.
فلو لم تستمد القوة المدركة في إدراك مفهوم من المفاهيم من الخارج وكان الادراك بإنشاء منها من غير ارتباط بالخارج استوت نسبة الصورة المدركة إلى مصداقها وغيره، فكان من الواجب أن تصدق على كل شئ أو لا تصدق على شئ أصلا، والحال أنها تصدق على مصداقها دون غيره، وهذا خلف.
فإن قلت: انتهاء أكثر العلوم الحصولية إلى الحس لا ريب فيه، لكن ما كل علم حصولي حاصلا بواسطة الحس الظاهر، كالحب والبغض والإرادة والكراهة