وغيرها المدركة بالحواس الباطنة، فصورها الذهنية مدركة لا بالاتصال بالخارج.
وأيضا لا تدرك الحواس إلا الماهيات العرضية، ولا حس ينال الجوهر بما هو جوهر، فصورته الذهنية مأخوذة لا من طريق الحس واتصاله بالخارج.
قلت: أما الصور الذهنية المأخوذة بالإحساسات الباطنة - كالحب والبغض وغيرهما - فالنفس تأخذها مما تدركه من الصفات المذكورة بوجودها الخارجي في النفس، فالإتصال بالخارج محفوظ فيها.
وأما الجوهر، فما ذكر أن لا حس ظاهرا ولا باطنا يعرف الجوهر ويناله، حق لا ريب فيه، لكن للنفس في بادئ أمرها علم حضوري بنفسها تنال به نفس وجودها الخارجي وتشاهده، فتأخذ من معلومها الحضوري صورة ذهنية، كما تأخذ سائر الصور الذهنية من معلومات حضورية على ما تقدم، ثم تحس بالصفات والأعراض القائمة بالنفس وتشاهد حاجتها بالذات إلى النفس الموضوعة لها وقيام النفس بذاتها من غير حاجة إلى شئ تقوم به، ثم تجد صفات عرضية تهجم عليها وتطرؤها من خارج فتنفعل عنها، وهي ترى أنها أمثال الأعراض المعلولة للنفس القائمة بها وحكم الأمثال واحد، فتحكم بأن لها موضوعا هي قائمة به، كما أن النفس موضوعة لصفاتها العرضية، فيتحصل بذلك مفهوم الجوهر، وهو أنه ماهية إذا وجدت وجدت لا في موضوع.
الثالث: أنه تبين بما تقدم أن الوجود ينقسم من حيث التجرد عن المادة وعدمه إلى ثلاثة عوالم كلية:
أحدها: عالم المادة والقوة.
وثانيها: عالم التجرد عن المادة دون آثارها من الشكل والمقدار والوضع وغيرها، ففيه الصور الجسمانية وأعراضها وهيئات الكمالية من غير مادة تحمل القوة، ويسمى: (عالم المثال) و (عالم البرزخ)، لتوسطه بين عالمي المادة والتجرد العقلي. وقد قسموا عالم المثال إلى المثال الأعظم القائم بنفسه، والمثال الأصغر القائم بالنفس الذي تتصرف فيه النفس كيف تشاء بحسب الدواعي المختلفة،