وأما حديث الاختيار، فقد زعم قوم (1) أن الفاعل المختار كالإنسان - مثلا - بالنسبة إلى أفعاله الاختيارية علة تستوي نسبتها إلى الفعل والترك، فله أن يرجح ما شاء منهما من غير إيجاب، لتساوي النسبة.
وهو خطأ، فليس الإنسان الفاعل باختياره علة تامة للفعل، بل هو علة ناقصة، وله علل ناقصة أخرى، كالمادة وحضورها واتحاد زمان حضورها مع زمان الفعل واستقامة الجوارح الفعالة ومطاوعتها والداعي إلى الفعل والإرادة وأمور أخرى كثيرة إذا اجتمعت صارت علة تامة يجب معها الفعل. وأما الإنسان نفسه فجزء من أجزاء العلة التامة، نسبة الفعل إليه بالإمكان دون الوجوب، والكلام في إيجاب العلة التامة لا مطلق العلة.
على أن تجويز استواء نسبة الفاعل المختار إلى الفعل وعدمه إنكار لرابطة العلية، ولازمه تجويز علية كل شئ لكل شئ ومعلولية كل شئ لكل شئ.
فإن قلت: هب أن الإنسان الفاعل المختار ليس بعلة تامة، لكن الواجب (عز اسمه) فاعل مختار، وهو علة تامة لما سواه، وكون العالم واجبا بالنسبة إليه ينافي حدوثه الزماني. ولذلك اختار قوم (2) أن فعل المختار لا يحتاج إلى مرجح، واختار بعضهم (3) أن الإرادة مرجحة بذاتها لا حاجة معها إلى مرجح آخر، واختار جمع (4) أن الواجب (تعالى) عالم بجميع المعلومات، فما علم منه أنه