ومنهم من قال إن العشق هو افراط الشوق إلى الاتحاد وهذا القول وإن كان حسنا الا انه كلام مجمل يحتاج إلى تفصيل لان هذا الاتحاد من اي ضروب الاتحاد فان الاتحاد قد يكون بين الجسمين وذلك بالامتزاج والاختلاط وليس ذلك يتصور في حق النفوس ثم لو فرض وقوع الاتصال بين بدني العاشق والمعشوق في حاله الغفلة والذهول (1) أو النوم فعلم يقينا ان بذلك لم يحصل المقصود لان العشق كما مر من صفات النفوس لا من صفات الاجرام بل الذي يتصور ويصح من معنى الاتحاد هو الذي بيناه في مباحث العقل والمعقول من اتحاد النفس العاقلة بصوره العقل بالفعل واتحاد النفس الحساسة بصوره المحسوس بالفعل فعلى هذا المعنى يصح صيرورة النفس العاشقة لشخص متحده بصوره معشوقها وذلك بعد تكرر المشاهدات (2) وتوارد الانظار وشده الفكر والذكر في اشكاله وشمائله حتى يصير متمثلا صورته حاضره متدرعة في ذات العاشق وهذا مما أوضحنا سبيله وحققنا طريقه بحيث لم يبق لاحد من الأزكياء مجال الانكار فيه.
وقد وقع في حكايات العشاق ما يدل على ذلك كما روى أن مجنون العامري كان في بعض الاحانين مستغرقا في العشق بحيث جاءت حبيبته ونادته يا مجنون انا ليلى فما التفت إليها وقال لي عنك غنى بعشقك فان العشق بالحقيقة هو الصورة الحاصلة وهي المعشوقة بالذات لا الأمر الخارجي وهو ذو الصورة لا بالعرض كما أن المعلوم بالذات هو نفس الصورة العلمية لا ما خرج عن التصور وإذا تبين وصح اتحاد العاقل بصوره المعقول واتحاد الجوهر الحاس بصوره المحسوس كل ذلك عند الاستحضار الشديد والمشاهدة القوية كما سبق فقد صح اتحاد نفس العاشق بصوره معشوقه بحيث لم يفتقر بعد ذلك إلى حضور جسمه والاستفادة من شخصه كما قال شاعر