وشعبها...
كلها لم تستطع الوقوف أمام قوة الوجدان، فقد انتصر الأخير عليها جميعا، وأصيب الشاب المسكين بالجنون وظهر بصورة موجود مفترس وخطير.
لقد كان البركان الثائر في نفس الشاب من جراء ردود الفعل الناشئة من وجدانه قويا إلى درجة أن جميع المتخصصين بالعلاجات الروحية عجزوا عن معالجته، فلقد أخذ الضغط الشديد من قبل الضمير يقض عليه مضجعه يقظة ونوما، وليس من البعيد أن يؤدي إلى موته.
الرشيد وغادر:
وهناك نموذج آخر لمخالفة الوجدان يظهر في قصة هارون الرشيد مع جارية أخيه الهادي، ننقلها هنا لما فيها من فائدة: - «... يحكى أن هارون الرشيد حج ماشيا، وإن سبب ذلك أن أخاه موسى الهادي كانت له جارية تسمى (غادر) وكانت أحظى الناس عنده، وكانت من أحسن النساء وجها وغناء، فغنت يوما وهو مع جلسائه على الشراب، إذ عرض له سهو وفكر وتغير لونه وقطع الشراب، فقال الجلساء: ما شأنك يا أمير المؤمنين؟.
قال: لقد وقع في قلبي أن جاريتي (غادر) يتزوجها أخي هارون بعدي.
فقالوا: يطيل الله بقاء أمير المؤمنين، وكلنا فداؤه.
فقال: ما يزيل هذا ما في نفسي...
وأمر بإحضار هارون وعرفه ما خطر بباله، فاستعطفه وتكلم بما ينبغي أن يتكلم به في تطييب نفسه، فلم يقنع بذلك وقال: لا بد ان تحلف لي!
قال: لأفعل، وحلف له بكل يمين يحلف بها الناس من طلاق وعتاق وحج وصدقة وأشياء مؤكدة فسكن. ثم قام، فدخل على الجارية فأحلفها بمثل ذلك، ولم يلبث شهرا ثم مات.
فلما أفضت الخلافة إلى هارون، أرسل إلى الجارية يخطبها...