الذي نظم بناء الخلق العظيم بعلم وحكمة، وأعطى لكل موجود ما يستحقه ويحتاجه في بلوغ مقاصده، ولذلك فإن آثار قدرته تعالى ظاهرة في كل موجود. يقول الشاعر:
فانظره في حجر وانظره في شجر * وانظره في كل شيء... إنه الله ويقول الآخر:
وفي كل شيء له آية * تدل على أنه واحد استخدام العضو:
إن الحصول على الأدوات والآلات أمر... وكيفية استخدام تلك الآلات أمر آخر، فمكبرة الصوت عبارة عن جهاز لتوزيع الصوت وإيصاله إلى ابعد ما يمكن، ولكن استخدام هذا الجهاز والاستفادة منه يحتاج إلى علم وإطلاع بشؤونه، فمن الممكن أن توجد قاعة ما أجهزة فخمة لتكبير الصوت ولكن لا يوجد عامل فني واحد يعرف كيفية استعمالها.
وهكذا، فوجود وسائل الفحص بالأشعة السينية وأدوات الجراحة في المستشفى يختلف عن كيفية استخدامها. فإنه لا بد من طبيب ممارس كي يعرف كيفية التصوير بدقة، وتشخيص حصى الكلية مثلا، ثم كيفية شق بطن المريض بالمباضع والسكاكين واستخراج الحصى، وإعادة خياطة موضع الجرح بدقة... وفي النهاية برء المريض وخلاصه من الآلام.
ولهذا نجد أن الدليل الثاني الذي يقدمه موسى لفرعون على وجود الله تعالى هو: أنه بعد الفراغ من تزويد الله تلك الموجودات بالوسائل والأدوات اللازمة، علمها كيفية استخدام تلك الأعضاء وطريقة الاستفادة من تلك الآلات والأجهزة كلا على حدة. إن بعوضة ضعيفة تعرف كيف وأين تدخل مضخة الدم أي خرطومها الذي هو بمثابة المحقنة الطبية لتمص الدم بذلك، وتحفظ حياتها بالتغذي عليه.
هذا النظام الدقيق، وهذه الأساليب المتقنة لا يمكن أن تصدر من ناحية