الانحراف «ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه» (1).
طغيان الغرائز واندحار الوجدان:
كان (عبد الملك بن مروان) يعيش حياة هادئة في شبابه، وكان إنسانا رحيما وشفوقا، يعطف على الناس، ولا يحاول إيذاءهم ولا يتحدث عن أحد بشر، كانت رغباته النفسية وميوله الغريزية مخفية، وذلك لعدم وجود ميدان لظهورها... ولم يكن يتصور أنه سيمسك بزمام الحكم في الدولة الاسلامية الواسعة ويتصرف في مقدرات ملايين الناس في يوم من الأيام.
ومرت الأيام بالتدريج، حتى ظهرت الأوضاع والتحولات المفاجئة التي أدارت سير الزمن لصالحه. فقد تربع أبوه (الذي كان واليا في يوم ما على المدينة ثم عزل من ولايته عليها) على دست الخلافة، على أثر التطورات السياسية المعروفة، ونصب (عبد الملك ) ذلك الشاب العطوف وليا للعهد...
ولم تمض أشهر قليلة حتى دس السم إلى مروان ومات... فجلس عبد الملك على كرسي الخلافة بعده... وهنا استيقظت ميوله وشهواته ووجدت لها مجالا واسعا للمبارزة والكفاح.
لقد كان الوجدان يحكم إلى الأمس القريب في سلوك عبد الملك دون معارض أو معاند، ولذلك كان يجتنب من الظلم والأفعال اللا إنسانية أما اليوم فقد استيقظت غرائزه، وتعالت ألسنة نيرانها، حتى اضطر وجدانه إلى الانسحاب والاندحار أمام تلك الأوضاع، وكأن لم يكن في باطن عبد الملك وارتكبوا الجرائم الفظيعة التي لا حد لها ولا حصر.
يذكر لنا المؤرخون أنه لما أرسل (يزيد) جيشا إلى مكة لقتل (عبد الله بن الزبير ) كان عبد الملك يقول: العياذ بالله أفهل يجهز أحد جيشا لمحاربة بيت الله الحرام ؟! أما عندما تولى الخلافة بنفسه فقد أرسل جيشا أعظم بقيادة