يعيشون فيه حرا، ذلك أنه عندما يكفهر وجه المجتمع بالظلم والتجاوز ويسود الاستبداد والضغط الشديد... وحين يحل اليأس محل الأمل، والظلم محل العدل، والاستهتار والفوضى بدل القانون، والخوف بدل الهدوء... فمن المحتم أن ينقطع السبيل إلى التكامل في ذلك المجتمع.
والذين يعيشون في أمثال هذه المجتمعات لا يقدرون على إخراج استعداداتهم الخفية وذخائرهم المعنوية من مرحلة القوة إلى حيز الوجود والفعلية بالشكل المناسب. ولا ينالون الترقي والتكامل الذين يصبون إليهما.
الأسرة هي مهد تربية الأطفال، والوطن الواسع هو البيئة التربوية للكبار. وإن ما لا شك فيه هو أن الشرط الأول للتربية الصحيحة وإحياء الاستعدادات المختلفة هو الجو المناسب والعوامل المساعدة. فلا تستطيع كل أسرة من تطبيق المنهج التربوي الذي خطه لنا الامام الحسن عليه بالنسبة إلى أولاده. ولا يقدر كل الآباء على أن يتحدثوا مع الأطفال بنفس الحديث الذي تحدث به الامام (ع)، ذلك الأسلوب من الحديث إنما يختص بالأسرة التي يقوم أساسها على الفضيلة والحرية.
ولأجل أن يتضح معنى سلامة جو الأسرة وفساده بصورة جيدة ولكي يتبين أهمية الحرية في مجال التربية والتعليم نخصص بحثنا في هذه المحاضرة بهذا الموضوع.
المقارنة بين الأسرة والدولة:
الدولة تشبه أسرة كبيرة واسعة، وأن جميع أفراد تلك الدولة من رجال ونساء وأطفال، إنما هم أعضاء في تلك الأسرة الكبيرة... كما أن كل أسرة تشبه دولة صغيرة قليلة الأفراد. وأن أعضاء الأسرة إنما هم أفراد تلك الدولة... والأبوان في هذه الدولة الصغيرة يسلكان دور الهيئة الحاكمة فيها.
قد يتسلط على زمام الحكم في الدولة مستبد، وتدار أموره حسب نظرياته اللا منطقية لمحض إرادته، ويساس الشعب بالخوف والاضطهاد، ويحمل على إطاعة الأنظمة والقوانين بالحديد والنار... وأحيانا يكون العكس