والوجدان على قبيلة خيالية إصطنعها في ذهنه، واستمر بحثه، ومتى اصطدم بالحواجز تخلى عن البحث.
إن قسما من علماء النفس الغربيين الذين سايروا نظريات فرويد تقريبا لم يستطيعوا السكوت على عدم نضح كلماته بصدد المذهب: - «إن الذي يطالع آثار فرويد ويصل إلى هذه النتيجة وهي أنه لم يجب على استفسارات وأسئلة القراء في القضايا المذهبية وما شاكل ذلك. ولكن يجب أن لا يغيب عن أذهاننا أن فرويد لم يدع أبدا أنه قدم توضيحا كافيا في المسائل الدينية» (1).
ونظرا لأن التحليل النفسي يعرض إلى الأسواق الفكرية في بلادنا كمتاع جديد، ولا بد من اقتران اسم فرويد معه، فمن الممكن أن يستغل البعض كلماته - عمدا أو جهلا - لالقائها كقواعد مسلم بها وبحوث ثابتة في أذهان الشبان الساذجين والمؤمنين، وبذلك يتسببون في انحرافهم العلمي والديني، أو يروجون سوق الدعارة والتحلل والتفسخ، ويجرون جيلنا الجديد إلى هوة سحيقة لا تحمد عقباها... فنرى لزاما أن نناقش بعض كلمات فرويد بصورة علمية ونضعها على طاولة التشريح، عسى أن تقع مفيدة لشبابنا الأعزاء والمثقفين منهم بالخصوص.
إنكار الوجدان الفطري:
من المغالطات المهمة التي يذهب إليها فرويد، إنكاره للوجدان الفطري. فالوجدان الفطري في نظره ليس إلا رد فعل. ولو كان فرويد يقسم الأمور الوجدانية عند الانسان إلى طائفتين: إحداهما فطرية، والأخرى ناتجة من النواهي والمراقبات الاجتماعية فإنا كنا نوافقه على ذلك ولكنه يعتبر جميع الأمور الوجدانية وليدة الرقابات الاجتماعية والميول المكبوتة ويصرح بأنه لا يوجد في الانسان تصورات أولية للخير وللشر، ويتطرق في كلماته إلى موضوع القتل ويجعل بحثه يحوم حوله.