الفطرة وراء ستار الشهوة:
لقد أسلفنا في مقدمة البحث أنه لتشخيص الفطرة يجب أن نجعل بحثنا على إنسان حر طليق من جميع الجوانب، ولم يكن واقعا تحت ضغط الشهوة أو الغضب، أو حب المال والجاه وما شاكل ذلك.
أما أبناء القبيلة الذين يحترقون في نار الشهوة، ويقتلون أباهم بصورة جنونية لغرض الوصول إلى النساء فليسلوا أفرادا أحرارا وطبيعيين، وأن حالتهم النفسية لا يمكن أن تكون مقياسا لتشخيص الفطرة الأخلاقية، وكما أن النار تدفع البارود الموجود في الطلقة من فوهة البندقية وترميها بسرعة فائقة إلى اتجاه غير طبيعي، فكذلك نار الشهوة - وهي أكثر دفعا من البارود - حيث دفعت أبناء القبيلة إلى اتجاه مخالف للفطرة الانسانية وأدت بهم إلى قتل الأب. فإذا لم يحس الأبناء حين ارتكابهم للقتل بقبح ذلك، فلأجل شدة نار الشهوة، لا لفقدان الفطرة.
لا يقتصر الأمر على العصور القديمة أو القبائل المتوحشة، وإنما القضية تسير على هذا المنوال حتى في عصرنا المتمدن هذا، في عالمنا الذي يمر عليه - على حد قول فرويد - قرون عديدة على إيجاد إعلان الأبناء الذين قتلوا أباهم، الاستهجان من تلك الجريمة في الضمير الباطن للأفراد. فما أكثر الشبان الذين يرتكبون القتل على أثر الشهوة الجنسية أو إثارة قوة الغضب والانتقام، ولا يشعرون بأنفسهم ساعة الجريمة ولا يتذكرون إعلان الأبناء الذين قتلوا أباهم.
الندم على القتل:
يقول فرويد: إن ردود الفعل الناتجة من إقدام الأبناء على قتل أبيهم هي التي سببت الندم على جريمتهم. إنه يعترف بالندم بعد القتل ولكنه يرى أن السبب في ذلك هو ردود الفعل الروحية المرتبطة بالشهوة أو الحياء. لم لا يحتمل الأستاذ فرويد أن الندم حصل على أساس ردود الفطرة أي نداء الوجدان الأخلاقي، الوجدان الذي كان موجودا في الانسان وسيبقى موجودا فيه؟!!.