الكلمة لا يقيم وزنا للوجدان والايمان والعقل والرأي العام، فإنه كان يوافق على الاقتراح بدون ترديد ولا يقول شيئا أبدا. ولكن الذي يظهر من وضعه أنه كان يحس بالاضطراب وعدم الارتياح لعمله هذا في ضميره الباطن ولكن لم يكن إحساسه هذا بالدرجة التي تجعله يغض الطرف عن لذة الرئاسة والجاه. فاستمهل عبيد الله ليأتيه بالجواب النهائي. وحين أقبل عليه المساء تنحى زاوية خلية، وجسد أمام ناظريه معسكرين متعارضين يقف في أحدهما الله والرسول، والعقل والشرف، والوجدان والانسانية... أما في المعسكر الآخر، فيقف حب الجاه والرئاسة، اللذة والشهوة، الحكومة وعبادة الذات, فبقي متحيرا بين ذينك المعسكرين فعندما كان ينظر إلى الله والوجدان والعقل كان يقول: يجب ألا أرتكب هذه الجريمة الشنيعة، أن لا أشترك في دم الحسين (ع) أما حين كان يلتفت نحو الشهوة والرئاسة كان يقول: يجب ألا أترك الفرصة تفوتني، فإن مقاما مع هذه العظمة لا يتيسر دائما... وأخيرا تذرع ببعض المغالطات الباطلة لا قناع الوجدان الذي يوجد في باطن كل انسان متدين وملحد. وأخيرا حلل القضايا من الوجهة الدينية، وكان أن قال:
يقولون أن الله خالق جنة * وتعذيب، وغل يدين فإن صدقوا فيما يقولون، إنني * أتوب إلى الرحمان من سنتين وإن كذبوا فزنا بدنيا عظيمة * وملك عقيم دائم الحجلين يقولون أن الله خالق جنة * ونار، وتعذيب، وغل يدين فإن صدقوا فيما يقولون، إنني * أتوب إلى الرحمان من سنتين وإن كذبوا فزنا بدنيا عظيمة * وملك عقيم دائم الحجلين فأوجد هذه المسرحية الخيالية في ذهنه وجعلها ملجأ لجنايته، وتبريرا لخيانته، ظانا أنه يستطيع إقناع وجدانه بهذا العمل، وأنه يستطيع أن يخفيه (344) خلف أستار المغالطات الموهومة، ويحفظ نفسه من تعذيب الضمير إلى الأبد غافلا عن أن الوجدان الأخلاقي الفطري ينظر بنور الواقع، وأنه لا يسكت بالتبريرات الباطلة، فالوجدان مشعل وضاء موجود في باطن الانسان. بأمر من الله، ولا يمكن إطفاؤه بهذه الكلمات. إن الوجدان الأخلاقي لا ينسى واجبه السماوي، ولا يدع المجرم لوحده، ولا يفسح المجال له ليتخلص من تعذيبه ولومه وتقريعه.