اختلال التوازن:
هذه الشواهد وعشرات من أمثالها ترينا أن التوازن بين الروح والبدن قد اختل في المدنية الحديثة. فالميول المادية والشهوانية تراعى ويدافع عنها ولذلك فقد اتسعت دائرتها، وفي قبال ذل نجد أن العواطف الانسانية والميول الروحية مفقودة ولا يبحث عنها أصلا. هذا العمل إنما هو حرب صريح مع الفطرة، ومخالفة مباشرة لقانون خلقة البشر... ومن البديهي أن الخروج على قوانين الكون لا يبقى خاليا من عقاب.
«إننا فقدنا جميع مقرراتنا الداخلية كما فقدنا تعاليمنا الدينية، والأجيال الحاضرة تجهل حتى وجود مثل هذه القيم في الماضي. وهكذا فالعدالة، الشرف، الاستقامة، المسؤولية، الطهارة، العطف على الناس، الشهامة... قد أضحت عبارات فارغة لا معنى لها، وكلمات تقابل بالسخرية من قبل الشباب، وإذا اتفق وأن رأينا منهم شوقا نحو العقائد الدينية فذلك كاحترامهم للأشياء النادرة في المتاحف. إن الانسان الحديث لا يعرف لغير اللذة أساسا آخر لحياته وسلوكه» (1).
إن الانسان لا يستطيع الاستمرار في حياته من دون أن يؤمن وسائل الحياة المادية، فهو محتاج إلى الطعام واللباس والمأوى، وإضاء الميول الجسدية بحكم القضاء القطعي الإلهي، وعليه أن يسعى في سبيلها... ولكن يجب أن لا ينسى أن المطاليب الفطرية للبشر ليست منحصرة في ميوله المادية فقط، فإن ما يسبب الفضيلة والكمال للانسان ويفصله عن سائر الحيوانات هو ثرواته المعنوية وفضائله الروحية فمن أهمل الذخائر الروحية المودعة لديه فهو (حيوان) في لباس (إنسان).
«لا يستطيع أحد أن ينكر أن البشرية تخضع لقوى منبثقة من الفكر