بشرية وروحا ملكوتية إلهية، فالسعيد من اعتنى بجميع ذخائره وثرواته المادية والمعنوية، وحاول استغلالها والاستجابة لها حسب قياس صحيح. وهكذا فالانسان في الوقت الذي يهتم بجلب اللذائذ الجسمانية ويستجيب للميول الحيوانية يجب أن يهتم بصفاء باطنه. وإحياء الميول المعنوية التي تعد جزءا من فطرته، ويحاول استخدام مواهبه كلها في سبيل الوصول إلى التكامل، منقادا في ذلك للفطرة بإخلاص تام، لكي لا يلقى عقابه على يد الطبيعة التي تخلف عن قوانينها.
الانحراف عن طريق الفطرة:
إن من المؤسف أن الحياة العصرية قد انحرفت بالبشر عن طريق الفطرة وقصرت اهتمامها على الجوانب المادية فقط. إن أكثر الأفراد اليوم يرون البشرية من خلف منظار اللذائذ والشهوات، فيتناسون أهمية الجوانب المعنوية. وعلى هذا الأسلوب من التفكير يربون أبناءهم أيضا فيعطفون جل اهتمامهم على العيش الرغيد والالتذاذ أكثر، في حين أن اهتمامهم بتربية الايمان الفطري والسجايا الخلقية والواجبات الروحية... لا يبلغ الواحد في المائة من العناية بالجوانب المادية، ولا شك في أن الانحراف عن طريق الفطرة لا يبقى بلا عقاب.
إن المدنية الحديثة تسيطر على العالم منذ مدة، والعلماء يقفون كل يوم على حل رمز جديد من كتاب الكون، ويخطون خطوة جديدة في طريق العلم، ويحرزون انتصارات عظيمة في هذا السبيل. ولذلك فإن أسلوب المعيشة قد تغير والحياة ملئت جمالا، وخضع البر والبحر والجو لسيطرة البشر، فالأكواخ المرطوبة المظلمة قد استبدلت بالقصور الضخمة الفاخرة المجهزة بجميع وسائل الراحة. وهكذا حلت النفاثات الجميلة القوية محل الفرس والجمل حيث توصل المسافر في أتم الراحة وأسرع الوقت إلى مقصده. ولا غرابة إذا رأينا أن المغازل اليدوية للعجائز وأدوات الحياكة اليدوية للشيوخ تخلي مكانها لمعامل الغزل والنسيج الأوتوماتيكية، وهكذا خرجت الزراعة عن شكلها القديم، وبدأ المزارعون العمل في الحقول بأحدث المكائن الزراعية وفقا