نستقصي جميع تلك النظريات والآراء والطرق والأساليب لاحتجنا إلى وقت أوسع من هذا، إلا أننا سنكتفي بذكر أهم تلك الآراء والنظريات المعروفة الآن. ثم نشير إلى بعض الأحاديث الواردة بشأن السعادة. هذا ولا يخفى أن المدار في تلك النظريات والأقوال ومحل النزاع في البحث هو ما يعتبره كل طائفة أصلا ثابتا للوصل إلى السعادة وأساسا لتحقيقها.
المبدأ النفسي:
1 - ذهب بعض العلماء والفلاسفة اليونانيين الذين سبقوا (أرسطو) إلى أن سعادة البشرية تنحصر في الكمالات النفسية، وهم يرون أن أساس السعادة الانسانية أربع صفات هي: الحكمة، الشجاعة، العفة، العدالة. فمن كان واجدا لهذه الصفات كان سعيدا ، ومعها لا حاجة إلى الكمالات الجسدية وسلامة الجسم أو أمور خارجة عن البدن، فهؤلاء يقولون: «إن الانسان إذا حصل تلك الفضائل لم يضره في سعادته أن يكون ناقص الأعضاء مبتلى بجميع أمراض البدن» (1) فالأمراض البدنية عندهم لا تضر بالسعادة إلا إذا أوردت نقصا على الجانب المعنوي منه، وأدت به إلى الجنون أو الحمق. وكذلك الفقر والتردي الاجتماعي فإنهما لا يضران بسعادة الانسان إذا كان محرزا للصفات النفسانية الأربع الآنفة الذكر.
2 - ويعتقد المرتاضون بالمبدأ النفسي في السعادة البشرية، فهم يقولون: - إن السعادة والكمال يرتبطان بكمال النفس والتعالي في الجوانب الروحية فقط. ويجب تحقيق تكامل الروح وإظهاره في الخارج عن طريق الرياضة النفسية ومجاهدة الأهواء والشهوات.
ويفرط المرتاضون في عدم اعتنائهم إلى الجانب البدني كثيرا حتى أنهم أشد تفريطا من اليونانيين الذين سبقوا (أرسطو) بالنسبة إلى أبدانهم. فبينما كان يرى حكماء اليونان أن السعادة تتعلق بكمال النفس ولا يضر معها نقصان البدن - وليس في منهجهم ما يوجب