جوف الأرض على الدوام لأداء هذه الوظيفة الكريمة وغيرها من سوق الماء وإصعاده إلى العوالي كرؤوس الجبال وأعالي الهضاب، وتوليد المعادن والصخور والأحجار لتقوم بمنافعها للبشر، وتعديل مياه البحار وحفظ مناسباتها، وتصعيد البخار لأداء منافعه إلى غير ذلك مما لم يدركه العلم بعد.
وانظر كيف جعل لهذه النار السائرة منافذ تخرج منها وجواذب تعدل سيرها وتدفع عادية حركتها القوية عن الأرض. وهذه المنافذ هي منافذ البراكين (جبال النار). وهي فوهات في أعالي كثير من الجبال تخرج منها النار بأحوال عجيبة ترشد إلى الحكمة الباهرة. ومع ذلك فقد أبقت الآيات أثرا للاعتبار وإشارة إلى الموعظة وعظيم المنة وذلك أن هذه النار السائرة قد تزيد على مجاريها أو تكثر في مكان لأجل تأديه أعمالها فتحاول أن تخرج من قشرة الأرض فتحصل الزلازل الخفيفة أو الهائلة وربما يتعقبها الانفجار أو الخسف وفي ذلك ألطف استلفات إلى النعمة العظيمة والغاية الكريمة في خلق جبال النار (البراكين) وسائر الجبال الجاذبة للنار والمثبتة لقشرة الأرض. وإلى ذلك أشار القرآن الكريم في الآية الخامسة عشر من سورة النحل المكية بقوله تعالى (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم) ونحوه في الآية الواحد والثلاثين من سورة الأنبياء والعاشر من سورة لقمان المكيتين.
ولولا هذه الجبال الراسية بالحكمة والمصرفة للنار لاستولى الميدان والزلزال على الأرض.
وانظر إلى أجزاء الأرض وقطعها المتجاورة فإنك تراها مختلفة اختلافا كثيرا لم تجر على قياس مطرد، فترى في المنطقة الحارة فيما يقرب من البحر أو ما يبعد عنها أرضا طينية زراعية، وأرضا صخرية نارية، وصخرية كلسية، وأرضا رملية بينها طبقات مستحجرة، وترى ذلك في المنطقتين المعتدلتين والمنطقة الباردة الشمالية.
وانظر إلى الثمار التي تنبت في أرض واحدة وتسقى من ماء واحد