ثم احتجج بمبدأ الانسان وخلقه وبعض أقسام شعوره الآلي الذي يدرك كل أحد من الناس أنه الشعور النافع في الحياة والمجتمع الانساني فقال في أول سورة الانسان المدنية (هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) المراد أفراد الانسان.
ومن ذا الذي يقول (لا) كل أحد يعلم أنه وبني نوعه قبل مدة لم يكن شيئا مذكورا ومعروفا يعتنى به.
أين كان الانسان قبل أن يولد بألف سنة هل كان شيئا مذكورا؟
ألا أقدم عهده بمبدأ نشأته وامتياز وجوده نزول نطفته من أبيه في الرحم (إنا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا) (1).
ثم استلفت النظر والتدبر إلى صورة الانسان ووجهه وإتقانها واختلاف تراكيبها التي يعسر إحصائها وحدها مع قلة أجزاء الوجه التي هي جبهة وحاجبان وعينان وخدان وأنف وفم فقال في سورة الانفطار المكية (يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم * الذي خلقك فسواك فعدلك * في أي صورة ما شاء ركبك) (2) بحيث تمتاز من بني نوعك علي طبق الحكمة التي يقتضيها انتظام النوع الانساني فجعل كل واحد خلقا سويا معتدل التركيب بأجزاء متساوية النوع والعدد وقال في الآية السادسة والستين من سورة المؤمن المكية والآية الثالثة من سورة التغابن المكية (وصوركم فأحسن صوركم) بالانتظام والاتقان.
فهذه الآيات وغيرها تقيم الحجة على الناس بحسب شعورهم المشترك وتؤكد الحجة على كل راق في الشعور بحسب رقيه في التنبه والعلم.