في نقلها على ذكر جملة مما ذكره أمير المؤمنين من النصوص عليه محتجا به على القوم، وهم مع تصديقهم إياه واعترافهم بصحة نصوصه لم ينصرفوا بها عن صرف الخلافة عنه إلى غيره، بل بايعوا عثمان وتركوه ولم يعتنوا بتلك النصوص والمناقب وهددوه إن لم يبايع عثمان أن يقتلوه أو يقاتلوه، وعثمان لم يذكر لنفسه فضلا ولا أورد في استحقاقه الخلافة خبرا، وإنما وعدهم بأن يسير فيهم بسيرة الشيخين، وما الأولون بدونهم في رد نصوص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومخالفة أقواله لأنهم أتباعهم ومقلدوهم، وهذا من أعدل شاهد على ما قلناه من عدم اعتناء القوم بنصوص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حق علي (عليه السلام) طلبا للدنيا وحبا للرئاسة فترك ذكره أمير المؤمنين لهذا.
ووجه آخر: وهو أن عليا (عليه السلام) في ذلك الوقت غير محتاج إلى إيراد النص إن سلمنا أنه لم يورده، لأن إيراده إنما هو لإثبات أنه المستحق لمقام الرسول (صلى الله عليه وآله) دون خصمه، وأبو بكر وأصحابه مقرون له بذلك لأنهم قد أثبتوا استحقاق الخلافة بقرابة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ودفعوا الأنصار عن طلبها وخصموهم بها عن المطالبة فيها، فكان ذلك إقرارا منهم لعلي (عليه السلام) بالحق لأن قرابته من الرسول (صلى الله عليه وآله) وأقربيته من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) معلومة غير مجهولة، ومعروفة غير منكورة، فلذا قال لهم كما في الخبر: (إني أحتج عليكم بما احتججتم به على الأنصار، فإن كانت الخلافة بالقرابة فأنا أحق الناس بها لأني أقربهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (1) فلم ينكر منهم أحد ذلك، بل أقروا به لكنهم أصروا على منعه حقه وقالوا له: لا نسلم لك هذا الحق لأنك صغير السن، فأي حاجة بعد هذا