احتج قوم من الخصوم على جواز خلو العصر من إمام بقوله تعالى:
[لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك] (1) وبقوله تعالى: [وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير] (2) وأجاب أصحابنا عنه بأن الآيتين نفي للرسول لأن النذير هو الرسول كما يدل عليه قوله في الآية الثانية [ما أرسلنا] وقوله تعالى: [وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جائهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم] (3) وكثير من الآيات وليس في الآيتين نفي الأنبياء والأوصياء الهادين إلى الله تعالى والأول نقول به فإنا نجوز خلو العصر من رسول مبعوث بل من نبي ولا نجوز خلوه من وصي هاد تقوم به الحجة لله على العباد والآيتان لا تنفيانه فلا حجة لكم فيهما على ما ادعيتم أقول أما قوله تعالى في الأولى: [ما آتاهم من نذير من قبلك] (1) وفي الثانية: [وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير] (2) فمحتمل لأن يكون الله تعالى أخبر أنه لم يرسل في قريش رسولا منهم قبل النبي (صلى الله عليه وآله) وإن كان أرسل فيهم من غيرهم وبلغتهم دعوة الرسل (عليه السلام) إلى توحيد الله تعالى فليس في الآيتين دلالة على انتفاء الرسل مطلقا وإنما أقصى دلالتهما على انتفاء رسول إلى قريش عن أنفسهم قبل النبي (صلى الله عليه وآله) ويؤيد ما قلناه قوله تعالى: [وإن من أمة إلا خلا فيها نذير] (4) فإنها ناصة على أنه لا تخلو أمة من الأمم من رسول إليهم منذر يخوفهم من العقاب وقد اعترف بذلك شيخ المعتزلة أبو علي الجبائي (5) فقال وفي هذا دلالة على أنه لا