وإظهار الحق ونشر الأحكام لقصور أهل طاعته عن مقاومة مناويه وقلة مواليه عن عدد معاديه، فمن أين تحصل قدرة الباقين على ذلك مع تفاقم الخطب واشتداد شوكة الظالمين وتشييد أركان دولة الفاسقين واحتياج الإمام في إزاحة الظلم والعدوان إلى اشتباك الحروب واستمرار القتل واستعار نار الوغا وإزهاق النفوس وليس معه من يقوم ببعض ذلك ويصبر عليه؟، فانزاح الاعتراض واتضح من جملة ما قلناه دفع الايراد وثبوت المراد بتوفيق من بيده التوفيق للسداد.
المقدمة الرابعة إنه لا يجوز أن يكلف الله العباد بما لا سبيل لهم إلى معرفته ولا طريق لهم إلى استعلامه لأنه تكليف ما لا يطاق، والله تعالى منزه عن التكليف به، وهذه المقدمة قد دل عليها العقل والنقل، فأما العقل فإن العقلاء يستقبحون مؤاخذة الغافل ومعاقبة من لم يعلم قبل التنبيه والإعلام حتى شاع عند أولي الألباب أنه لا تكليف إلا بالبيان، وأما النقل فالآيات كثيرة مثل قوله تعالى:
[ذلك إن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون] (1) وقوله تعالى:
[وما كنا مهلكي القرى حتى نبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا] (2) وقوله: [وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا] (3) وقوله: [لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل] (4) وقوله تعالى: [ولو إنا أهلكناهم بعذاب من قبله وقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك