وأما الدعوى الثانية: أعني أن هناك نصا من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على علي (عليه السلام) وقد خالفه القوم فلنا عليها وجوه من الأدلة.
الأول: دلالة الأخبار الصحاح عند الخصم على المدعي.
فمنها: قول النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) (إن الأمة ستغدر بك من بعدي) فقد رواه ابن أبي الحديد عن أكثر المحدثين ورواه غيره أيضا (1)، وهذا الحديث نص صريح في أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عهد إليهم في علي (عليه السلام) عهدا وأنهم نقضوا عهده فيه، لأنه لا يخفى على من له أدنى معرفة بأساليب كلام العرب فضلا عن فاضل مدقق أن لفظ الغدر لا يستعمل إلا في نقض عهد متقدم، وقد صرح بذلك الشهاب الفيومي في المصباح المنير وغيره من أهل اللغة، فلا يقال: غدر فلان إلا إذا نقض عهدا معهودا، وأبطل عقدا معقودا يلزمه الوفاء به، كما أن الوفاء الذي هو ضد الغدر معناه البقاء على مقتضى العهد المتقدم، والاستمرار على موجب العقد السابق، فإذن ثبت من هذا القول أن النبي (صلى الله عليه وآله) عهد إلى أصحابه عهدا فنقضوه بعد وفاته، ولا عهد نقض في ذلك غير العهد بالخلافة، إذ لم يأخذ الصحابة من على غيرها، ولم يناقضوه في سواها فصح أنه منصوص عليه وأن القوم خالفوا النص بتعمد فكانوا غادرين وهو عين مدعانا، ولا يجوز أن يحمل ذلك على ما وقع في أيام خلافة علي (عليه السلام) خاصة لوجوه ثلاثة.
الأول: إن الغدر منسوب إلى الأمة، والأمة في ذلك الوقت على الحقيقة