مطالبته وبعث إليه أسامة بن زيد أن ابعث لي بعطائي ثم لو دخلت فم الأسد بعد ذلك لدخلت معك فكتب (عليه السلام) إليه: (إن هذا المال لمن جاهد عليه ولكن لي مالا بالمدينة فأصب منه ما شئت) (1). وكان تسويته بين الناس أعظم الأسباب في تفرق الناس عنه وتقاعدهم عن نصرته، بل في قتال من قاتله، بل هو السبب في ذلك كله لا سبب غيره، فلم يبال (عليه السلام) بذلك ولا رأى صلاح دنياه مقتضيا لمخالفة السنة في ترك المساواة بين الناس في القسمة، ولما أشير عليه بتفضيل بعض الناس على بعض في ذلك لإصلاح أمر دنياه وتقوية سلطانه أبى ذلك وقال: (إنه لو كان المال لي لساويت بينهم فكيف وإنما هو مالهم) (2) والأخبار في هذا الباب أجل من أن تجمع في هذا المحل وغيره ولو أراد أثر بالفئ وفضل في العطاء وأصلح بهما أمر دنياه.
وأما إنه أحرص الصحابة على إقامة حدود الله فظاهر فإنه ما دافع عن أحد أقيمت عليه شهادة في حد، ولا سلك مسلك التأويل والاستصلاح في إسقاط حد عن أحد صديق أو عدو قريب أو بعيد كما كان يفعل غيره، ولا أغضى عن حق عند أحد كائنا من كان، ولم يلتفت في إقامة حدود الله لغضب أحد من الناس ولا رضاه، وسيرته في ذلك مذكورة في كتب الحديث والسير والتواريخ، فهذه الخصائص والصفات المحمودة هو أبو عذرها وابن بجدتها والسابق في مضمارها قال ابن أبي الحديد بعد تعدادها:
وهذه خصائص البشر قد أوضحنا أنه فيها الإمام المتبع فعله والرئيس المقتفى