يلتفت إليه أهل الشورى إذ أورده، ولا رآهم الناس من العامة خالفوا النبي (صلى الله عليه وآله) إذ ردوا نصه لتلك الشبهة المرتكزة في نفوسهم وكان يتجه لمعاوية عند أهل الشام وأكثر أهل العراق أن يجيبه بأن يقول: إذا كنت أنت المنصوص عليك بهذه النصوص فلم تقدم عليك فلان وفلان ولم قرن عمر بك في الشورى فلانا وفلانا إلى آخره ولم قدم عليك أهل الشورى فلانا وهؤلاء خيار الصحابة؟ أفتقول إنهم ظلموك وانتهبوا حقك، فإن صرح بما لا يحتمل التأويل بأنهم ظلموه وغصبوه حقه وخالفوا نص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليه، وقوله فيه وتقدموا عليه عدوانا كانت هذه هي الطامة الكبرى التي ود معاوية لو تكلم أمير المؤمنين (عليه السلام) بكلمة تدل عليها ليجعلها من أعظم الموجبات لمخالفته وقتاله، فما رضاه بقتل عثمان الذي اقتضى لزوم خلافه ووجوب حربه عند أهل الشام إلا دونها بمراتب، فيزدادون بها ضلالا وعتوا عليه ويتفاقم خطبهم ويزيد فسادهم، وهو (عليه السلام) يريد اصلاحهم، ثم ليست هذه مقصورة على فساد أهل الشام خاصة بل يتمشى الأمر بها إلى فساد أكثر جند أمير المؤمنين (عليه السلام) عليه، لأن عامتهم يرون في الإمامة ما يرى أهل الشام ويصححون خلافة الثلاثة، ويوثقونهم ومن معهم من الموازرين لهم فيما فعلوه، ويناقضون عليا (عليه السلام) في مخالفته فتاوى الشيخين كما هو معلوم فكيف يتبعونه إذا صرح بأنهما من الظالمين الغاصبين؟ وقد علم كافة أولي الألباب أن الحجة إذا لم يسلمها الخصم ولا تابعوه لم يكن في الاحتجاج بها عليه فائدة وإن كانت صحيحة، وأنه يجب العدول عنها إلى حجة لا يقدر الخصم على دفعها ولا يجد سبيلا لي منعها إذا كانت موجودة، هذا كله إذا لم يجر الاحتجاج بها على المحتج ضررا فكيف إذا كان ذلك يجر الدواهي الدهم عليه ويكون موجبا لفساد أصحابه، وزيادة ضلال أصحاب الخصم وغوايتهم؟ ومع هذا لا يؤمن على معاوية أن يقيم شهودا عند أهل الشام
(٤٢٩)