الحيوان)، وكان نعلاه من ليف وحمائل سيفه من ليف، وكان يرقع قميصه بجلد تارة وبليف أخرى، وإذا اشترى قميصا ورأى كمه طويلا قطعه بالشفرة ولم يخطه حتى يبقى متساقطا على يده، وقد تواترا إعراضه عن لذات الدنيا مع اقتداره عليها لا تساع أبواب الدنيا عليه لأن الأموال كانت تجبى إليه، حتى قال: (يا دنيا يا دنيا إليك عني أبي تعرضت أم إلي تشوقت لا حان حينك هيهات هيهات غري غيري لا حاجة لي فيك وقد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعيشك قصير، وخطرك يسير، وملكك حقير) وقال: (والله لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم) (1) وقال عبد الله ابن أبي رافع دخلت عليه يوما فقدم جرابا مختوما فوجدنا فيه خبز شعير يابسا مرضوضا فأكلنا منه، فقلت: يا أمير المؤمنين لم ختمته فقال: (خفت هذين الولدين يلتانه بزيت أو سمن) (2)، قال القوشجي: وهذا شئ اختص به علي (عليه السلام) ولم يشاركه فيه غيره، ولم ينل أحد بعض درجته انتهى وأخبار زهده وسخائه كثيرة يضيق بها هذا الإملاء وتحتاج إلى مصنف على حدة، والغرض هنا الإشارة إلى صفاته الحميدة.
وأما إنه أعبد الناس فلما تواتر من كثرة صلاته وصيامه حتى كان يصلي كل يوم وليلة ألف ركعة، وتعلم منه الناس صلاة الليل وملازمة الأوراد، ويشهد بذلك ما في دعواته ومناجاته من تعظيم جلال الله والخضوع والخشوع له، قال ابن أبي الحديد: وما ظنك برجل يبلغ من محافظته على ورده أن يبسط له نطع بين الصفين ليلة الهرير فيصلي عليه ورده والسهام تقع بين يديه، وتمر على صماخيه يمينا وشمالا فلا يرتاع لذلك ولا يقوم حتى يفرغ من وظيفته، وما ظنك برجل كانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده (3) انتهى،