الذين وقع الحث عليهم منهم إنما هم العارفون بكتاب الله وسنة رسوله، إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى الحوض.
ويؤيده الخبر السابق: " ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم " وتميزوا بذلك عن بقية العلماء لأن الله تعالى أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وشرفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة، وقد مر بعضها وسيأتي الخبر الذي في قريش، ولا تعلمونهم فأنهم أعلم منكم، فإذا ثبت هذا العموم لقريش فأهل البيت أولى منهم بذلك، لأنهم امتازوا عنهم بخصوصيات لا تشاركهم فيها بقية قريش، وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع المتأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة، (كما أن الكتاب العزيز كذلك)، ولذا كانوا أمانا لأهل الأرض، كما سيأتي. ويشهد بذلك الخبر السابق: " في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ".
ثم أحق من يتمسك به منهم إمامهم وعالمهم علي بن أبي طالب لما قدمناه من مزيد علمه ودقائق مستنبطاته، ومن ثم قال أبو بكر علي عترة رسول الله (ص)، أي الذين حث على التمسك بهم فخصه لما قلنا، وكذلك خصه (ص) بما مر يوم غدير (خم).
ثم قال: فمن الموثوق به على إبلاغ الحجة وتأويل الحكم إلى أهل الكتاب وأبناء أئمة الهدى ومصابيح الدجى الذين احتج الله بهم على عباده ولم يدع الخلق سدى من غير حجة هل تعرفونهم أو تجدونهم إلا من فروع الشجرة المباركة، وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وبرأهم من الآفات (المنهية من الشارع) وافترض مودتهم في الكتاب.
قال العلامة عبد الرؤوف المناوي في " فيض القدير في شرح الجامع الصغير ": قال الشريف:
يفهم منه وجود من يكون أهلا للتمسك من أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمان إلى قيام الساعة حتى يتوجه البحث المذكور إلى التمسك به، كما أن الكتاب العزيز كذلك، فلذلك كانوا أمانا لأهل الأرض، فإذا ذهبوا ذهبت الأرض (1).
ولا يخفى أن خطاب التمسك بالثقلين للحاضرين من الصحابة (خواصهم، وعوامهم) بالأصالة بحيث لا يستثنى منه أحد من الثلاثة ولا غيرهم، وللغائبين من التابعين وغيرهم تبعا لما هو قانون الشرع، فعلم أن كل الأمة من الصحابة وغيرهم مأمور باتباع الثقلين، فكانت الأمة كلها تابعة لهم لا متبوعة، ومتعلمة منهم لا معلمة لهم، ومتأخرة عنهم لا متقدمة عليهم، لأن الأحق بالإمامة والأقدمية هم لا هي، (أي الأمة العامة) صحابة كانوا أو غيرهم. وثبت أن أهل البيت وجب أن يكونوا حاكمين لا محكومين، وآمرين للأمة لا مأمورين.
ورد قول من قال (إن كل تقي آل محمد) داخل في الثقلين لأنه يستلزم وحدة المتمسك والمتمسك به، وهو باطل مع أن هذا الحديث المشهور واه جدا كما في الفتح (2)، وحديث أنس رفعه " آل محمد كل تقي ". أخرجه الطبراني، ولكن سنده واه جدا، وأخرج البيهقي عن جابر نحوه من قوله بسند ضعيف.
في الصواعق " إن كل مؤمن تقي آل محمد " ضعيف، فلزم أن يكون الأئمة من أهل البيت،