ملوكهم والتقرب إليهم. في (منهج الوصول) للسيد الصديق ناقلا عن تاريخ ابن عساكر برواية زكريا الساجي: قال بلغني أن أبا البختري دخل على الرشيد وهو يطير الحمام، فقال: هل تحفظ في هذا شيئا؟!
قال: حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي (ص) كان يطير الحمام (1). وهكذا في حياة الحيوان وزاد: وذكر أن هارون الرشيد كان يعجبه الحمام واللعب به فأهدى له حمام، وعنده أبو البختري وهب القاضي فروى له بسنده عن أبي هريرة أن النبي (ص) قال: " لا سبق إلا في خف أو حافر أو جناح "، فزاد: " أو جناح " وهي لفظة وضعها للرشيد فأعطاه جائزة سنية فلما خرج قال الرشيد: تالله لقد علمت أنه كذب على رسول الله (ص) (2)، (ثم قال) وكان أبو البختري المذكور قاضي مدينة النبي (ص) ثم ولي قضاء بغداد بعد أبي يوسف (صاحب أبي حنيفة)، وقد ذكر حال أبي البختري في المجلد الأول.
وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي: أخرج السلفي في (الطيورات) بسنده عن ابن المبارك قال: لما أفضت الخلافة إلى الرشيد وقعت في نفسه جارية من جواري المهدي (أي أبيه) فراودها على نفسها فقالت: لا أصلح لك، أن أباك قد (طاف) بي فشغف بها فأرسل إلى أبي يوسف فسأله:
أعندك في هذا شئ؟! فقال: يا أمير المؤمنين أو كلما ادعت أمة شيئا ينبغي أن تصدق، لا تصدقها فإنها ليست بمأمونة.
قال ابن المبارك فلم أدر ممن أعجب، من هذا الذي وضع يده في دماء المسلمين وأموالهم يتحرج عن حرمة أبيه، أو من هذه الأمة التي رغبت بنفسها عن أمير المؤمنين، أو من هذا (فقيه) الأرض، وقاضيها قال: إهتك حرمة أبيك، واقض شهوتك، وصيره في رقبتي (3).
وأخرج أيضا عن عبد الله بن يوسف قال: قال الرشيد لأبي يوسف: أبي اشتريت جارية، وأريد أن أطأها الآن قبل الاستبراء فهل عندك حيلة؟! قال: نعم، تهبها لبعض ولدك ثم تتزوجها.
وأخرج عن إسحاق بن راهويه قال: دعا الرشيد أبا يوسف ليلا فأفتاه، فأمر له بمائة ألف درهم، فقال أبو يوسف، إن رأى أمير المؤمنين أمر بتعجيلها قبل الصبح، فقال: عجلوها فقال بعض من عنده، إن الخازن في بيته، والأبواب مغلقة، فقال: أبو يوسف فقد كانت الأبواب مغلقة حين دعاني ففتحت، (إنتهى بعينه من تاريخ الخلفاء) (4).
أقول: قد ثبت أن علماءهم قد كانوا وضعوا الأحاديث، وجعلوا المسائل لإرضاء أمرائهم، ورووا الأحاديث عن الخوارج كعمران بن حطان الخارجي المادح لقاتل أمير المؤمنين علي (ع)، وهو الذي روى عنه البخاري في صحيحه، ولم يرو عن أئمة أهل البيت إلا نادرا، وتركوا الأحاديث اللآتي في شأن العترة، وما رووها فضعفوها، أو أنكروها، وتركوا الأحاديث من العترة الطاهرة بل قد قدحوا وجرحوا عليهم، وكفاك به مثلا: الجرح على سيدنا جعفر الصادق (ع)، (كما في استقصاء الإفحام