وصل إليها علماء الاختراع والكشف. فإن من تقاليد العلم المقدسة أن تراقب الدراسات، وتعرف التطورات، وأن يتجه النظر إلى جديد يعرف، لا أن يتجمد تجاه ما عرف.
إن هذا السلوك العلمي الرفيع هو الذي يوحي به القرآن الكريم، فإن الله تعالى يقول:
" وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " ويأمر رسوله بأن يستزيده من العلم، ويجعله من أعز آماله التي يتوجه فيها بالدعاء إلى ربه فيقول: " وقل رب زدني علما " فإذا كان الإنسان مهما أوتي من العلم لم يؤت إلا قليلا منه.
وإذا كان المثل الأعلى للبشرية الكاملة، وهو محمد صلى الله عليه وآله وسلم محتاجا إلى أن يتزيد ربه علم ما لم يعلم، فما بالنا بالإنسان المحدود علما وعقلا، أليس من واجبه أن يتطلع دائما إلى كل أفق ليعلم ما لم يكن يعلم.
ولذلك طربت وأخذ تني روعة لصنيع هذا العالم الشيعي الإمامي، حيث لم يكتف بما عنده وبما جمعه من علم شيخ الطائفة ومرجعها الأكبر في التفسير " الإمام الطوسي صاحب كتاب التبيان " حتى نزعت نفسه إلى علم جديد بلغه، هو علم صاحب الكشاف، فضم هذا الجديد إلى القديم، ولم يحل بينه وبينه اختلاف المذهب، وما لعله يسوق إليه من عصبية، كما لم يحل بينه وبينه حجاب المعاصرة، حجاب، فهذا رجل قد انتصر بعد انتصاره العلمي الأول نصرين آخرين: نصرا على العصبية المذهبية، ونصرا على حجاب المعاصرة، كلاهما كان يقضي المعارضة والمنافسة، لا المتابعة، الناقدة، وإن جهاد النفس لهو الجهاد الأكبر لو كانوا يعلمون.
- 4 -