الثاني: التجرد عن المادة ملاك الحضور ملاك الحضور والشهود العلمي ليس إلا تجرد الوجود عن المادة، فإن الموجود المادي بما أنه موجود كمي ذو أبعاض وأجزاء ليس لها وجود جمعي، ويغيب بعض أجزائه عن البعض الآخر، مضافا إلى أنه في تحول وتغير دائمي، فلا يصح للموجود المادي من حيث إنه مادي أن يعلم بذاته، لعدم تحقق ملاك العلم الذي هو حضور شئ لدى آخر.
فإذا كان الموجود منزها من المادة والجزئية والتبعض، كانت ذاته حاضرة لديها حضورا كاملا، وبذلك نشاهد حضور ذواتنا عند ذواتنا، فلو فرضنا موجودا على مستوى عال من التجرد والبساطة عاريا عن كل عوامل الغيبة التي هي من خصائص الكائن المادي، كانت ذاته حاضرة لديه، وهذا معنى علمه سبحانه بذاته أي حضور ذاته لدى ذاته بأتم وجه لتنزهه عن المادية والتركب والتفرق كما تقدم برهان بساطته عند البحث عن التوحيد.
ثم إن المغايرة الاعتبارية تكفي لانتزاع عناوين العلم والمعلوم والعالم من ذات واحدة، وليس التغاير الحقيقي من خواص العلم حتى يستشكل في علم الذات بنفس ذاته بتوحد العالم والمعلوم، بل الملاك كله هو الحضور، وهذا حاصل في الموجود المجرد كما تقدم وبذلك يظهر وهن ما استدل به النافون لعلمه تعالى بذاته من لزوم التغاير الحقيقي بين العالم والمعلوم.
2. علمه سبحانه بالأشياء قبل إيجادها إن علمه سبحانه بالأشياء على قسمين: علم قبل الإيجاد وعلم بعد الإيجاد. ونستدل على القسم الأول بوجهين: