3. علمه سبحانه بالأشياء بعد إيجادها إن كل ممكن، معلول في تحققه لله سبحانه، وليس للمعلولية معنى سوى تعلق وجود المعلول بعلته وقيامه بها قياما واقعيا كقيام المعنى الحرفي بالمعنى الاسمي، فكما أن المعني الحرفي بكل شؤونه قائم بالمعنى الاسمي فهكذا المعلول قائم بعلته المفيضة لوجوده، وما هذا شأنه لا يكون خارجا عن وجود علته، إذ الخروج عن حيطته يلازم الاستقلال وهو لا يجتمع مع كونه ممكنا.
فلازم الوقوع في حيطته، وعدم الخروج عنها، كون الأشياء كلها حاضرة لدى ذاته والحضور هو العلم، لما عرفت من أن العلم عبارة عن حضور المعلوم لدى العالم.
ويترتب على ذلك أن العالم كما هو فعله، فكذلك علمه سبحانه، وعلى سبيل التقريب لاحظ الصور الذهنية التي تخلقها النفس في وعاء الذهن، فهي فعل النفس وفي نفس الوقت علمها، ولا تحتاج النفس في العلم بتلك الصور إلى صور ثانية، وكما أن النفس محيطة بتلك الصور وهي قائمة بفاعلها وخالقها، فهكذا العالم دقيقه وجليله مخلوق لله سبحانه قائم به وهو محيط به، فعلم الله وفعله مفهومان مختلفان، ولكنهما متصادقان في الخارج.
وقد اتضح بما تعرفت أن علمه تعالى بأفعاله بعد إيجادها حضوري، كما أن علمه سبحانه بذاته وبأفعاله قبل إيجادها حضوري، فإن المناط في كون العلم حضوريا هو حصول نفس المعلوم وحضوره لدى العالم لا حضور صورته وماهيته، وهذا المناط متحقق في علمه تعالى بذاته وبأفعاله مطلقا.