العصر أن يقوم بنقل الحديث بالمعنى، بل إن الإقدام على ذلك - بعد العصر الأول - في الحقيقة خروج عن الشرط الأساسي لجواز النقل بالمعنى، وهو ضبط المعنى، فإن أهل القرون المتأخرة لم يملكوا تلك القدرة اللغوية التي تبيح لهم ذلك.
وأما إذا كان المراد من ذلك الكلام أن الراوي لا يتقيد بألفاظ الحديث، وأن ذلك ليس مهما، ولا ممنوعا.
فهو غير صحيح، بل هو مناقض لشرط ضبط المعنى، فكيف يضبط المعنى من لا يتقيد باللفظ، فالمعنى لا ينضبط إلا إذا كان الراوي قد حقق اللفظ ودقق في المراد منه، وعندما يضبط المعنى فحينئذ يجوز له أن يعبر عن ذلك بألفاظ أخرى غير مخالفة لمراد الحديث.
ويدل على عنايتهم الفائقة بألفاظ الحديث أنهم كانوا يحفظون المتون على ظهر الخاطر، ويفتخرون بذلك.
ثم إنا إذا لم نعلم أن الحديث مروي بلفظه، أو منقول بمعناه، فإنا ملزمون بما ورد فيه من ألفاظ، ولا بد أن نتقيد بكل ما فيه من حروف وإضافات وأجزاء وكلمات.
وهذا هو المعمول به عند الفقهاء من اعتمادهم على ما ورد في الحديث من ألفاظ واستفادة الأحكام على أساس ذلك.
وبعد: فإن أولئك الأولين إن جاز لهم نقل الحديث بالمعنى، لأنهم ضبطوا المعنى، فلا يعني ذلك جوازه لغيرهم، إلا مع اليقين بضبط المعاني.