وأكثر أولئك استفادة من تلك المكتبة وغيرها شيخ الطائفة الطوسي - رحمة الله عليه - لأنها كانت تحت يده وفي تصرفه، وهو زعيم الشيعة ومقدمهم يومذاك، فلم يدع كتابا فيها وعمد إلى مراجعته واستخراج ما يخص مواضيعه منه.
وهناك مكتبة أخرى كانت في متناول يده، وهي مكتبة أستاذه السيد المرتضى الذي صحبه ثماني وعشرين سنة، وكانت تشتمل على ثمانين ألف كتاب سوى ما أهدي منها إلى الرؤساء كما صرح به كل من ترجم له، وذلك أحد وجوه تلقيبه بالثمانيني.
نعم كان شيخ الطائفة متمكنا من هاتين الخزانتين العظيمتين، وكأن الله ألهمه الأخذ بحظه منهما قبل فوات الفرصة، فقد اغتنمها أجزل الله أجره، وغربل كوم الكتب فأخذ منها حاجته وظفر فيها بضالته المنشودة، وألف كتابيه الجليلين (التهذيب) و (الاستبصار) اللذين هما من الكتب الأربعة، والمجاميع الحديثية التي عليها مدار استنباط الأحكام الشرعية عند الفقهاء الاثني عشرية منذ عصر مؤلفه حتى اليوم، وألف أيضا غيرهما من مهام الأسفار قبل أن يحدث شئ مما ذكرنا، وكذا غيره من الحجج فقد أجهدوا نفوسهم وتفننوا في حفظ تراث آل محمد عليهم السلام، فكان لهم بحمد الله ما أرادوا.
وهكذا استقى شيخ الطائفة مادة مؤلفاته من تصانيف القدماء، وكتب في كافة العلوم من الفقه وأصوله، والكلام والتفسير، والحديث والرجال، والأدعية والعبادات، وغيرها، وكانت ولم تزل مؤلفاته في كل علم من العلوم مآخذ علوم الدين بأنوارها يستضيئون ومنها يقتبسون وعليها يعتمدون.
ولهذه الناحية فإن لشيخ الطائفة على الشيعة حقا لا ينكر وفضلا لا يستر، على أن جمعا من علماء الشيعة القدماء عملوا ما عمله، فإن الشيخين الكليني والصدوق ألفا (الكافي) و (من لا يحضره الفقيه) اللذين من الكتب