يدعمه بل يكذبه، وإليك البيان:
فإن كان الملاك، العقائد الصحيحة والباطلة وأن المسلمين كانوا متمسكين جملة واحدة، بمعتقد واحد صحيح في القرون الثلاثة الأولى ثم ظهرت رؤوس الشياطين ودبت فيهم المناهج الكلامية الفاسدة - فإن كان الملاك هذا - فتاريخ الملل والنحل لا يصدق ذلك بل ويكذبه، فإن الخوارج ظهروا بين الثلاثين والأربعين من القرن الأول وكانت لهم ادعاءات وشبهات وعقائد سخيفة خضبوا في طريقها وجه الأرض، ولم يتم القرن الأول إلا ظهرت المرجئة الذين دعوا المجتمع الإسلامي إلى الانحلال الأخلاقي رافعين عقيرتهم بأنه لا تضر مع الإيمان معصية، فقد ضلوا وأضلوا كثيرا حتى دب الإرجاء بين المحدثين وغيرهم في القرن الثاني وقد ذكر أسماءهم جلال الدين السيوطي في تدريب الراوي (1).
كان الإرجاء يقود المجتمع الإسلامي إلى الانحلال الأخلاقي والفوضى في جانب العمل إلى أن ظهرت المعتزلة في أوائل القرن الثاني عام 105 ه قبل وفاة الحسن البصري بقليل، فتوسع الشقاق بين المسلمين وقسمهم إلى فرق كثيرة، وكان النزاع قائما على قدم وساق منذ أن ظهر الاعتزال عن طريق واصل بن عطاء إلى أواسط القرن الخامس الذي قضي فيه على الاعتزال.
إن القرن الثاني كان عصر ازدهار المذاهب الكلامية وكانت الأمصار ميدانا لتضارب الأفكار.
فمن متزمت يقتصر في وصفه سبحانه بالألفاظ الواردة في الكتاب والسنة ويفسرها بمعانيها الحرفية، من دون إمعان وتدبر، ويرفع صوته بأن لله يدا ووجها ورجلا وأنه مستقر على عرشه.
إلى مرجئي يكتفي بالإيمان بالقول، ويقدمه ويؤخر العمل يسوق المجتمع