البدعة ، مفهومها ، حدها ، آثارها - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١٧٨
فكان يسمع لهم أزيز، كأزيز النحل " وقال:
ومن هذا يتبين أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سن لهم التراويح، والجماعة فيها، ولكن لم يصل بهم عشرين ركعة، كما جرى عليه من عهد الصحابة ومن بعدهم إلى الآن، ولم يخرج إليهم بعد ذلك، خشية أن تفرض عليهم، كما صرح به في بعض الروايات، ويتبين أن عددها ليس مقصورا على الثماني ركعات التي صلاها بهم، بدليل أنهم كانوا يكملونها في بيوتهم، وقد بين فعل عمر (رض) أن عددها عشرون، حيث إنه جمع الناس أخيرا على هذا العدد في المسجد، ووافقه الصحابة على ذلك. نعم زيد فيها في عهد عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - فجعلت ستا وثلاثين ركعة، ولكن كان القصد من هذه الزيادة مساواة أهل مكة في الفضل، لأنهم كانوا يطوفون بالبيت بعد كل أربع ركعات مرة، فرأى - رضي الله عنه - أن يصلى بدل كل طواف أربع ركعات (1).
هذا وقد بسط شراح البخاري وغيرهم القول في عدد ركعاتها إلى حد قل نظيره في أبواب العبادات، فمن قائل: إن عدد ركعاتها 13 ركعة، إلى آخر: أنها 20 ركعة، إلى ثالث: أنها 24 ركعة، إلى رابع: أنها 28 ركعة، إلى خامس: أنها 36 ركعة، إلى سادس: أنها 38 ركعة، إلى سابع: أنها 39 ركعة، إلى ثامن: أنها 41 ركعة، إلى تاسع: أنها 47 ركعة، وهلم جرا (2).

(١) الفقه على المذاهب الأربعة: ١ / ٢٥١، كتاب الصلاة، مبحث صلاة التراويح، ولا يخفى أنه لو كان المقياس في الزيادة، هو عدد الطواف بعد كل أربع ركعات فعندئذ يصل عددها إلى أربعين ركعة في كل ليلة لأنهم إذا كانوا يطوفون بعد كل أربع ركعات مرة واحدة، يكون عدده خمس مرات، فإذا كان مقابل كل مرة منه أربع ركعات، يصل عددها إلى عشرين ركعة (٥ * ٤ = ٢٠) فتضاف إلى العشرين ركعة الأصلية فيصير المجموع ٤٠ ركعة. نعم يصح ذلك بناء على ما نقله ابن قدامة المقدسي من أن الطواف كان بين كل ترويحة، لاحظ: ١ / ٧٤٩.
(٢) ابن حجر العسقلاني: فتح الباري: ٤ / ٢٠٤، شهاب الدين القسطلاني: إرشاد الساري: ٣ / ٤٢٦، العيني: عمدة القاري: ١١ / 126، وقد تكلفوا في الجمع بين هذه الأقوال المتشتتة، فلاحظ.
(١٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 ... » »»
الفهرست