والثاني إما أن يستحق المدح بفعله والذم بتركه مع العلم بحاله والتمكن منه وهو الواجب، أو يستحق المدح بفعله دون الذم بتركه إذا علم فاعله أو دل عليه وهو المندوب، ويقابلهما المحضور والمكروه.
البحث الثاني:
الحسن والقبح قد يراد بهما ملائمة الطبع ومنافرته، وقد يراد بهما صفة كمال أو نقصان، وهما بهذا المعنى مما يحكم العقل بهما عند الكل، وقد يراد بهما كون الفعل على وجه يكون متعلق المدح والذم عاجلا والثواب والعقاب آجلا، وهما بهذا المعنى شرعيان عند الأشعرية نظريان عند الفلاسفة، إذ عليهما بناء مصالح هذا العالم ونظام أموره.
أما عند أهل العدل فمنهما ما يستقل العقل بدركه ومنهما ما ليس كذلك، والأول فمنه ما يعلم بالضرورة كشكر المنعم ورد الوديعة والصدق النافع وقبح الكذب الضار والظلم وتكليف ما لا يطاق، ومنه ما يعلم بالنظر كالعلم بحسن الصدق الضار وقبح الكذب النافع، وما لا يستقل العقل بدركه فكحسن صوم آخر يوم من رمضان وقبح صوم اليوم الذي بعده، فإنه لا طريق للعقل إلى العلم بذلك لولا ورود الشرع.
أما الأمور الضرورية فقد نبهوا عليها بصورتين:
(إحداهما) إن العقلاء متفقون على حسن الأمور المذكورة وقبحها، وليس ذلك من جهة الشرع فقط، فإن الكفار كالبراهمة وغيرهم مع إنكارهم للشرائع يحكمون بذلك، ولا لملائمة الطبع ومنافرته، فإن الطباع في الخلق مختلفة،