البحث الثاني: في أنه هل يجب نصبه أم لا لأنه إما أن يجب ذلك على العباد أو على الله أو لا يجب أصلا.
والأول إما أن يجب عقلا أو سمعا، والأول مذهب أبي الحسين البصري والجاحظ، والثاني مذهب الأشعرية وأكثر المعتزلة والزيدية.
والثاني قول الشيعة فمنهم من قال يجب على الله نصبه ليعلمنا معرفته ويرشدنا إلى وجوه الأدلة والمطالب، وهو قول الإسماعيلية، ومنهم من قال يجب على الله نصبه ليكون لطفا لنا لأداء الواجبات العقلية والاجتناب عن المقبحات ويكون حافظا للشريعة مبينا لها، وهو قول الاثني عشرية.
والثالث قول من قال لا يجب نصبه، فمنهم من قال لا يجب في وقت الحرب والاضطراب، لأنه ربما كان نصبه سببا لزيادة البشر، ومنهم من عكس، ومنهم من قال لا يجب أصلا. والمختار أنه يجب نصبه في حكمته تعالى.
لنا: إن نصب الإمام لطف من فعل الله تعالى في أداء الواجبات الشرعية التكليفية، وكل لطف بالصفة المذكورة فواجب في حكمة الله تعالى أن يفعله ما دام التكليف بالمطلوب فيه قائما، فنصب الإمام المذكور واجب من الله في كل زمان التكليف.
أما الصغرى: فإن مجموعها مركب من كون نصب الإمام لطفا في الواجبات الشرعية، ومن كونه من فعل الله. أما الأول فلأن المكلفين إذا كان لهم رئيس تام الرئاسة عادل ممكن كانوا أقرب إلى القيام بالواجبات واجتناب المقبحات، وإذا لم يكن كذلك كان الأمر بالعكس، والعلم بهذا الحكم ضروري لكل عاقل بالتجربة لا يمكنه دفعه عن نفسه بشبهة، ولا معنى للطف إلا ما كان مقربا إلى الطاعة