أحدهما أن هذه مقدمة خطابية لا تكفي في إثبات المطالب العلمية. الثاني إنا بينا أن فوقية الجهة إضافية، فإنها وإن كانت فوقا للبعض فهي تحت بالنسبة إلى بعض آخرين، فلا تكون مستلزمة للشرف المطلق.
وأما الاستدلال برفع الأيدي في الدعاء، فإن دل على كون المعبود في جهة فوق فليدل وضع الجبهة على الأرض على كونه في جهة تحت، واللازم باطل فالملزوم مثله والملازمة ظاهرة.
وأما الجواب عن الظواهر النقلية فهو أن العقل والنقل إذا تعارضا فإما أن نعمل بهما معا وهو جمع بين النقيضين، أو نطرحهما معا وهو خلو عن النقيضين، أو نرجح النقل على العقل وهو باطل، لأن النقل فرع على العقل، فلو كذبنا العقل لتصحيح النقل لزم تكذيب العقل والنقل معا، فتعين ترجيح العقل على النقل ثم تأويل النقل أو تفويض علمه إلى الله تعالى.
إذا عرفت ذلك فنقول: الدليل العقلي قد دل على امتناع الجسمية والجهة على الله تعالى والظواهر النقلية المذكورة ونحوها مشعرة بثبوتها له، فيجب تأويلها أو تفويضها. ومن أراد الاستقصاء في تأويلها وضبطها فعليه بكتاب تأسيس التقديس للإمام فخر الدين الرازي رحمه الله.
البحث الخامس:
في أنه تعالى لا يحل في شئ، خلافا للنصارى وبعض المتصوفة.
لنا: إن المعقول من الحلول قيام موجود بموجود على سبيل التبعية بحيث لا يتعين الحال إلا بتوسط تعيين محله، فإن أريد بحلوله تعالى في غيره هذا المعنى فهو باطل، لأن واجب الوجود لو كان تعينه بواسطة غيره لكان معلولا لذلك الغير فكان ممكنا هذا خلف، وإن أريد به معنى آخر فلا بد من بيانه