البحث الثاني: في الطريق إلى القطع بوقوع المعاد الجسماني ويدل عليه المنقول والمعقول:
أما المنقول فاعلم أنه قد ثبت بالنقل المتواتر عن الأنبياء عليهم السلام العلم بوقوعه، فوجب القطع بذلك، لأن الصادق إذا أخبر عن وقوع أمر ممكن الوقوع وجب القطع به.
فإن قلت: لم لا يجوز أن يقال أن الأنبياء عليهم السلام إنما أثبتوا المعاد الجسماني ليحصل به نظام العالم، لأن معرفة المعاد الروحاني موقوفة على معرفة النفس المجردة وأحوالها المعقولة، وذلك أمر لا يتصوره العوام والنساء، فلو خوطبوا به لم يتصوروه ولم يصدقوا به، فلم ينتفعوا ولم يحصل ما هو مقصود الشارع من جمع الخلق على نظام واحد ومعتقد واحد، فأنى لهم بالمعاد الجسماني الظاهر لأنه المتصور لهم، كما فعل ذلك في تفهيمهم للصانع حيث أتي بالظواهر المشعرة بالجسمية والجهة للمبدأ. ثم إن من كان قوى العقل عرف أنه لا بد من تأويل هذه الظواهر، كما أنه لا بد من تأويل تلك.
والجواب: إن التأويل إنما يصار إليه إذا لم يكن الحمل على الظاهر جائزا كما في الظواهر المشعرة لجسمية الصانع، وأما عند جوازه كما في المعاد فالظاهر أولى.
وأيضا فإنما يصار إلى التأويل أن لو كان احتماله قائما، ولما علمنا بالنقل المتواتر من دين محمد صلى الله عليه وآله أنه كان مثبتا للمعاد الجسماني مكفرا لمن أنكره لا جرم لم يبق للتأويل فيه مجال.
وأما المعقول فمن وجهين: