سعادة النفوس ومعرفة الله تعالى ومحبته، وعلى أن سعادة الأجساد في إدراك المحسوسات، ودل الاستقراء على أن الجمع بين هاتين السعادتين في الحياة الدنيوية غير ممكن، وذلك لأن الإنسان حال كونه مستغرقا في تجلى أنوار عالم الغيب لا يمكنها الالتفات إلى شئ من اللذات الجسمانية، وحال كونه مشغولا باستيفاء اللذات الجسمانية لا يمكنه الالتفات إلى اللذات الروحانية، لكن هذا الجمع إنما يتعذر لضعف النفوس البشرية في هذا العالم، فإذا فارقت أبدانها واستمدت من عالم النفوس النفوس والطهارة قويت وشرفت، فإذا أعيدت إلى الأبدان مرة أخرى لم يبعد أن تصير هناك قوية قادرة على الجمع بين الأمرين.
وظاهر أن تلك الحالة هي الغاية القصوى في مراتب السعادات، ولم يقم على امتناع هذا المعنى دليل، وهو جمع بين الحكمة النبوية والقوانين الحكمية فوجب المصير إليه.
ومن الناس من ينكرهما معا، وهو قول من قال إن النفس هو المزاج فقط فإذا مات الإنسان فقد عدمت نفسه. ثم إنه ينكر إعادة المعدوم، فحينئذ يلزمه إنكار المعاد مطلقا، إلا أن المقدمة الأولى قد علمت فسادها. وبالله التوفيق.
الركن الثالث (في الوعد والوعيد وأحكام الثواب والعقاب وسائر الحوال القيامة) وفيه أبحاث:
البحث الأول:
الوعد هو الإخبار بوصول نفع إلى الغير أو دفع مضرة عنه في المستقبل