وبعبارة أخرى: وجود النبي شرط في وجود التكليف بالسمعيات، وكل ما كان كذلك كان واجبا، فوجود النبي واجب. أما الصغرى فظاهرة، وأما الكبرى فلأن التكليف واجب في الحكمة على ما مر فلو لم يجب شرطه لجاز الاخلال به، فجاز الاخلال بالمشروط الواجب من الحكيم تعالى، وقد بينا أنه لا يجوز عليه الاخلال بالواجب، وقد بان مما ذكرناه الغاية من وجوده.
البحث الثالث:
أنكرت البراهمة بعثة الأنبياء، وزعموا أنه لا فائدة فيها، لأن النبي إما أن يأتي بما يوافق العقل أو بما يخالفه، فإن كان الأول ففي العقل به غنية عنه، وإن كان الثاني قبح اتباعه، لأن اتباع ما يخالف العقل قبيح في العقل.
الجواب: لا نسلم أنه إذا أتى بما يوافق العقل كان فيه غنية عنه، إذ ليس كل ما يوافق العقل يجب أن يكون عالما أو مستقلا بإدراكه، بل جاز أن يكون عالما به على الجملة، ويجب البعثة لتعريفنا ذلك مفصلا. وهذا كما يعلم المريض على سبيل الجملة أن كل ما ينفعه يجب تناوله وكل ما يضره يجب اجتنابه وإن لم يعلم تفصيل الضار والنافع، فإذا عرفه الطبيب أن شيئا معينا ينفعه أو يضره لم يكن ذلك مخالفا لعلمه الجملي بل موافقا بتفصيله، مع أنه ليس في عقله غنية عنه.