لم يمكن إطلاق لفظ المتكلم عليه بذلك الاعتبار، لتنزهه عن اللفظ المستلزم لإثبات الجوارح له، فوجب إطلاقه عليه باعتبار خلقه للكلام في بعض الأجسام إما حقيقة أو مجازا إطلاقا لاسم المسبب على السبب، ولأنا سنبين أنه تعالى ليس له صفة تزيد على ذاته، فلا يكون الكلام معنى قائما به كما هو مذهب الأشعرية.
أما الأشعري فإنه بين مراده من الكلام النفساني أولا ثم استدل على إثباته لله تعالى ثانيا ثم بين أنه قديم ثالثا ثم بين كونه واحدا مع أنه أمر ونهي وخبر واستخبار وغيرها.
أما الأول: فقد ثبت أن الألفاظ موضوعة بإزاء الصور الذهنية، فإذا نطق أحدنا بخبر فالحكم المدلول عليه بذلك اللفظ ليس نفس الاعتقاد، لجواز أن يكون الاعتقاد بخلافه، ولا نفس الإرادة لأن الخبر يتعلق بالواجب والممكن، ولا شئ من الإرادة كذلك، فهناك أمر آخر هو مرادنا بكلام النفس، ودليل تسميته كلاما قول الشاعر:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما * جعل اللسان على الفؤاد دليلا وقول القائل في نفسي كلام.
وأما الثاني: فلقوله تعالى " وكلم الله موسى تكليما " (1) وقوله " إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء " (2) ونحوه. ووجه الاستدلال: إن التكليم والأمر والنهي إما أن يكون من باب الحقائق والمعنى أو من باب العبارات. والأول هو المطلوب، وأما الثاني فتلك العبارات لا بد وأن