ومنهم من زعم أنها مختلفة بالحقيقة. وحجتهم: أنها مختلفة بالعفة والفجور والذكاء والبلادة، وليس ذلك بسبب حرارة المزاج، لأن بارد المزاج قد يكون في غاية الذكاء وقد يكون بضده حار المزاج، وقد يتبدل المزاج والصفة النفسانية باقية، ولا من أسباب خارجية لأنها قد تكون بحيث تقتضي خلقا والحاصل ضده فكان ذلك من لوازم النفس، واختلاف اللوازم يدل على اختلاف الملزومات.
والجواب: لم لا يجوز أن يكون ذلك بسبب المزاج، ولا نسلم أن علة الذكاء هي حرارة المزاج فقط، بل اعتدال القوى النفسانية كما ينبغي. وكذلك لا نسلم تبدل مزاج تلك القوى مع بقاء تلك الصفات، بل إذا صارت ملكات لكن ذلك لا ينافي كونها عوارض مستفادة من المزاج.
البحث الثالث:
مذهب محققيهم أنها حادثة. وحجتهم أنها لو كانت قديمة فإما أن تكون واحدة أو كثيرة، والأول باطل لأنها بعد تعلقها بالأبدان إن بقيت واحدة فكل ما علمه زيد علمه عمرو وبالعكس، وهو ظاهر البطلان، وإن تكثرت فتلك الكثرة إن كانت حاصلة قبل ذلك لم تكن واحدة وقد فرضت كذلك. هذا خلف. وإن لم تكن كانت كل واحدة منها حادثة والنفس التي كانت واحدة قد عدمت، وأما إن كانت كثيرة فهو باطل أيضا، إذ لا بد للمتكثرات من مميز، ولا تمييز لها قبل بالذاتيات لاتحادها في النوع، ولا بالعوارض لأن ذلك من توابع الأبدان الجارية مجرى المواد وقبل الأبدان فلا أبدان، فلا اختلاف بالعوارض، فثبت أنها لو كانت قديمة لكانت إما واحدة أو كثيرة، وثبت فساد القسمين، فبطل كونها قديمة، وذلك يستلزم كونها حادثة.