فكثير من الأمور تنفر عنها طبع إنسان ويميل إليها طبع آخر مع اتفاقهم على الحكم بهذه القضايا. فظهر أنها قضايا عقلية كلية وليست نظرية وإلا لما حصلت لمن لا يتأهل للنظر كالعوام، فهي إذن قضايا تضطر العقول إلى الحكم بها.
(الثانية) إن العاقل إذا قيل " إن صدقت فلك دينار وإن كذبت فلك دينار " واستوى الصدق والكذب بالنسبة إليه بحيث لا يتصور وراء كونهما صدقا وكذبا مرجحا آخر لأحدهما، فإنا نعلم بالضرورة أنه يختار الصدق على الكذب.
وذلك لاضطرار عقله إلى الحكم بحسنه وقبح الكذب لذاته.
لا يقال: لو كان العلم بحسن هذه وقبحها ضروريا لما حصل التفاوت بينه وبين العلم بسائر القضايا البديهية، لكن اللازم باطل فالملزوم مثله. بيان الملازمة أن مقتضى البديهة لا تفاوت فيه. بيان بطلان اللازم: إنا لما عرضنا هذا العلم على العقل مع قولنا الواحد نصف الاثنين وجدنا التفاوت حاصلا بينهما بالضرورة الثاني لو كان ضروريا لما اختلف العقلاء فيه وقد اختلفوا فليس بضروري.
والملازمة وبطلان اللازم بينان.
لأنا نجيب عن الأول بمنع الملازمة، ولا نسلم أن الأوليات غير قابلة للأشد وإلا ضعف، فإن العلم بأن الواحد نصف الاثنين أجلى بكثير من العلم بكونه نصف عشر العشرين مع كونهما ضروريين.
وعن الثاني: بمنع الملازمة أيضا، والاختلاف إنما كان لقبول القضايا الضرورية التفاوت كما بيناه، وإما القضايا النظرية فبرهانها أنه إن كان مطلق الصدق والكذب يلزمهما الحسن والقبح لكونهما صدقا وكذبا فالصدق الضار والكذب النافع كذلك، لكن الملزوم حق فاللازم حق. بيان الملازمة أن مطلق الصدق والكذب جز آن من الصدق الضار والكذب النافع، وقد لزمهما الحسن والقبح