مرجح لا يكون من فعله دفعا للدور أو التسلسل.
ثم ذلك المرجح إما أن لا يجب معه الفعل، فيكون الطرفان ممكنين، فيفتقر رجحان أحدهما على الآخر إلى مرجح آخر، فلا يكون المرجح الأول كافيا، وقد فرض كذلك هذا خلف. وإما أن يجب معه، وذلك مناف للتمكن من الطرفين الذي هو معنى الاختيار.
(الثاني) لو كان العبد فاعلا لكان عالما بتفاصيل أفعاله، واللازم باطل فالملزوم مثله. بيان الملازمة: إن تخصيص الشئ بالإيجاد والقصد إليه يستدعي تصوره وتميزه عن غيره، ولا يكفي في حصول الجزئي قصد كلي، لأن نسبة الكلي إلى الجزئيات واحدة، فلا تخصيص لأحدهما إذن بالإيجاد، فلا بد من قصد جزئي، وهو مشروط بالعلم الجزئي. وأما بطلان اللازم: فإن الإنسان يتحرك حركات جزئية كثيرة لا شعور له بها كحركات أجفانه وجزئيات حركاته في طريقه الطويلة وحركات النائم والساهي.
(الثالث) لو كان العبد فاعلا مختارا أمكن أن يخالف مراده مراد الله تعالى فبتقدير أن يريد الكفر ويريد الله منه الإيمان فإما أن لا يقع وهو محال، لأنه إخلاء عن النقيضين، أو يقعا معا وهو جمع بين النقيضين، أو يقع مراد أحدهما دون الآخر وهو باطل، لأن قدرة كل من القادرين مستقلة بالتأثير في مراده، فليس وقوع أحدهما أولى من الآخر، وإذا بطلت هذه الأقسام على ذلك التقدير بطل ذلك التقدير اللازم لكونه مختارا.
والجواب عن الأول: إنا لا نسلم أن الفعل يتوقف على مرجح يجب معه الفعل، وهي إرادة تتبع تصور أن في ذلك الفعل مصلحة هو الداعي، وذلك الداعي قد يكون ضروريا فيكون من الله وقد يكون نظريا فيستند إلى علوم ضرورية