احتج الخصم بوجهين:
(أحدهما) إن كل من فعل فعلا لأمر كان حصول ذلك الأمر أولى به من لا حصوله كان ناقصا بذاته مستكملا بتلك الأولوية، وذلك على الله تعالى محال، وإن لم يكن أولى به بل كانا على سواء امتنع الترجيح.
(الثاني) إن كل غرض يفرض فإن الله تعالى قادر على إيجاده ابتداء، فيكون توسط ذلك الفعل عبثا.
والجواب عن الأول: إن عنيت بكون ذلك الأمر أولى به كونه أليق بحكمة وجوده، فلم قلت إن ذلك يستلزم نقصان ذاته واستكماله بغيره، وإن عنيت به كونه مستفيدا للكمال لو لم يكن حاصلا له لكان ناقصا بذاته، فلا نسلم أن الأولوية بهذا الاعتبار صادقة في حقه تعالى.
سلمناه، لكنه معارض بما أن الخصم أثبت لله تعالى معاني كالعلم والقدرة وغيرهما، فحصول تلك المعاني لذاته إن كان أولى به كان ناقصا بذاته مستكملا بغيره وهو محال، وإن كان مساويا بلا حصولها فلا ترجيح.
سلمناه، لكن هذه الحجة تستلزم أن لا يقع من الله تعالى فعل أصلا أو يقع بلا مرجح، وكلاهما محال.
وعن الثاني: إن الغرض هو الغاية من الفعل، وإيجاد الغاية من دون ما هي غاية له وهو شرط فيها محال. والله الموفق.
البحث الخامس: الباري تعالى لا يفعل القبيح ولا يخل بالواجب وبرهانه: أنه تعالى لا داعي له إلى فعل القبيح، وكل من كان كذلك امتنع وقوع القبيح منه. بيان الصغرى: إن علمه تعالى بقبح القبيح وغناه عنه صارف