(الثاني) إن استحقاق الثواب واستحقاق العقاب إما أن يتنافيا أو لا، والأول باطل، لأن تنافيهما إما لذاتيهما وهو باطل، لأن ماهية الاستحقاق ماهية واحدة أو باللوازم، وهو أيضا باطل، لأن الماهية الواحدة لا يختلف لوازمها، أو بالعوارض لكن العارض لما جاز زواله جاز زوال ما به تنافى الاستحقاقين فجاز اجتماعهما، فوجب أن يصلا إلى المكلف العاصي بمقتضى قوله تعالى " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ".
البحث السادس:
عندنا أن العاصي من أهل الإيمان لا يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يعفو الله عنه ابتداء، أو بالشفاعة، أو يعذبه منقطعا.
لنا في انقطاع عقابه: أنه لما ثبت جواز اجتماع استحقاقي الثواب والعقاب فبتقدير حصولهما فإن عفي عنه فلا عقاب عليه، وإن لم يعف وجب وصول الاستحقاقين إليه، فإما أن يثاب أولا في الجنة ثم ينقل إلى عذاب النار وهو باطل لإجماعنا على دوام الثواب ولقوله تعالى " أكلها دائم وظلها " (1) أو يعاقب أولا ثم ينقل إلى الجنة وينقطع عقابه وهو المطلوب.
احتج الخصم بالمعقول والمنقول:
أما المعقول: فهو أنه لما كان الفاسق يستحق نفسه العقاب وجب أن يكون ذلك الاستحقاق مزيلا لاستحقاق الثواب، لأن العقاب مضرة خالصة دائمة والثواب منفعة خالصة دائمة والجمع بينهما محال، فكان الجمع بين استحقاقيهما محالا، فوجب أن ينفي استحقاق العقاب ما سبق من استحقاق الثواب.
وأما المنقول فهم أنهم استدلوا بالآيات الدالة على تخليد الفاسق كقوله