لذاتيهما فلزم ما تركب عنهما، إذ لازم الجزء لازم للكل. وأما حقية الملزوم فقد سبق بيانها.
وأما ما يحتاج العقل في الحكم بحسنه وقبحه إلى الشرع فقالوا: لولا اختصاص كل من الحسن والقبيح بما لأجله حسن وقبيح لكان تخصيص الشارع أحدهما بالحسن والآخر بالقبح ترجيحا بلا مرجح.
احتج الخصم بأمور:
(أحدها) إن من صور النزاع تكليف ما لا يطاق، فنقول: لو كان قبيحا لما فعله الله تعالى، لكنه فعله كما في تكليف الكافر بالإيمان مع علمه بأنه لا يؤمن وعلمه بأنه متى كان كذلك كان الإيمان منه محالا، فأنتج أنه غير قبيح.
(الثاني) لو قبح شئ فإما من الله وهو باطل بالاتفاق، أو من العبد وهو أيضا باطل، لأن ما يصدر منه يكون على سبيل الاضطرار، لما ثبت أنه يستحيل صدور الفعل عنه بدون الداعي، ومع وجود الداعي يجب الفعل، فلا يقبح من المضطر شئ.
(الثالث) إن الكذب قد يحسن إذا تضمن خلاص نبي من ظالم يريد قتله.
والجواب عن الأول: لا نسلم أنه فعله، وأما تكليف الكافر بالإيمان فلا نسلم أنه مما لا يطاق. وبيانه: إن الإيمان ممكن في نفسه والكافر عالم بقدرته عليه، فكان إذن تكليفا بما يطاق. فأما علم الله تعالى فلا نسلم أنه موجب لعدم الإيمان، بل يطابق بقبح الفعل منه، على معنى أنه لو فعله لذم عليه، والخصم ينكر وجود القبيح العقلي أصلا ويقول فيما هو قبيح عندنا لو فعله الله تعالى لما قبح منه، فالاتفاق منه إذن لفظي. سلمناه لكن لم لا يقبح من العبد.
فأما وجوب الفعل عن الداعي فقد بينا أن ذلك لا ينافي الاختيار.