وعن الثالث من وجوه:
(أحدها) أن عندنا إذا تعارض قبيحان حكم العقل بوجوب العمل بأضعفهما قبحا مع الشعور بقبح الأقوى، وهناك كذلك فإن الكذب وإن كان قبيحا إلا أن ترك إنجاء النبي مع القدرة عليه أقبح، فجاز القبيح للخلاص مما هو أقبح منه.
(الثاني) لا نسلم حسن الكذب، وإنما يحسن هناك التعريض، وإن في المعاريض لمندوحة عن الكذب.
(الثالث) إن القبح وإن لزم عن الكذب لكن قد يختلف الأثر عن المؤثر لمانع.
فإن قلت: على تقدير التعريض لا يقطع بكذب في العالم، إذ لا كذب إلا ويمكن الاضمار فيه بحيث يصير صدقا، وكذلك على تقدير القول بتخلف الأثر، لاحتمال أن يتخلف الحكم هناك لمانع لا نطلع عليه.
قلت: على الأول أن العقل هو الحاكم بالقطع بالكذب، ولا يندفع ذلك باحتمال الاضمار، وكذلك لا يندفع جزمه بقبح الكذب باحتمال التخلف للمانع كما في سائر الأحكام العقلية الضرورية التي لا ينثلم بالاحتمالات السوفسطائية.
البحث الثالث:
اتفق أهل العدل على أن العبد فاعل بالاختيار خلافا للأشعرية، وإن اختلفوا في العلم بذلك، فالجمهور منهم على أنه نظري وأبو الحسين البصري على أنه ضروري، وهو المختار.
ثم الذي ينبه على كونه ضروريا المعقول والمنقول:
أما المعقول فمن وجوه: