(الأول) إن كل عاقل يعلم بالضرورة حسن المدح على الاحسان والذم على الإساءة، وذلك فرع كون المحسن والمسئ فاعلين.
(الثاني) إنا نجد أفعالنا تابعة لقصودنا ودواعينا ومنتفية عند صوارفنا، ولا معنى للمختار إلا من كان كذلك.
(الثالث) إن أحدنا يزجر غيره ويعده ويلومه، وذلك يستلزم العلم بكونه فاعلا بالضرورة.
(الرابع) إن العلم بذلك حاصل للأطفال والمجانين، فإن أحدهم إذا رماه إنسان بآجرة يذم الرامي دون الآجرة، بل للبهائم فإن الحمار يفر من الإنسان إذا قصد آذاه دون الحائط والنخلة، وذلك لأنه قد تقرر في فهمه قدرة الإنسان على آذاه دون الجماد.
وأما المنقول: فالقرآن والسنة مشحونان بنسبة الفعل إلى العبد وذمه على المعصية ومدحه على الطاعة، وذلك أشهر من أن يذكر.
أما أبو الحسن الأشعري فإنه زعم أن قدرة العبد ومقدوره واقعان بقدرة الله تعالى وأنه لا تأثير لقدرته في مقدوره أصلا، إلا أن الله تعالى أجرى عادته بأنه متى اختار الطاعة أو المعصية خلقها فيه وخلق فيه القدرة عليها، والعبد متمكن من الاختيارين، وسمي تلك المكنة كسبا. وكذلك لأصحابه مذاهب في ذلك لا يحتمل ذكرها هذا المختصر لكنها مشترك في منع اختيار العبد.
حجتهم من وجوه:
(الأول) إن العبد حال الفعل إما أن يمكنه الترك أوليس، فإن لم يمكنه فلا اختيار، وإن أمكنه فإما أن لا يتوقف وجود الفعل على مرجح وهو محال، أو يتوقف عليه فذلك المرجح إن كان من فعله عاد التقسيم فلا بد أن ينتهي إلى