وثالثا - فلأن ذلك لو تم لكان مستلزما لنفي الواجب المطلق ونفي العقاب على ترك الواجبات رأسا، مع أنه لا يقول به، ولا دخل له بثبوت وجوب المقدمة أصلا.
ورابعا - أنه لو تم لاستلزم عدم صحة تكذيب الإخبار عن الأمور المستقبلة.
والتالي باطل بالضرورة، فكذا المقدم.
وأما الملازمة فلأنه لا فرق بين الإنشاء والإخبار من حيث كون الأمر في مؤدى كل منهما بالنسبة إلى الأمور المغايرة لمتعلقاتهما منحصرا في أحد الشقين المذكورين من الإطلاق والتقييد، فمن أخبر: بأني أشتري اللحم غدا، يعلم () أن مراده ليس اشتراء اللحم على تقدير عدم المقدمات لأول إخباره حينئذ إلى الإخبار عن الممتنع، فلا بد أن يكون مراده اشترائه على تقدير وجودها، ولا ريب أنه على تقدير وجودها يحصل الاشتراء البتة، فإذا جاء الغد ولم يشتر اللحم فهو ليس إلا لفقد شيء من مقدماته، ولا أقل من كونه هي الإرادة، فلازم ما ذكره عدم صحة تكذيبه حينئذ، لأنه لم يرد اشترائه على تقدير فقد مقدمته، بل على تقدير وجود مقدماته.
هذا كله بطريق النقض.
وأما الجواب عنه بالحل فتحقيقه: أنا نختار الشق الأول، وهو الطلب على كل من تقديري وجود المقدمات وعدمها، ولا محذور فيه، إذ الكلام في المقدمات الوجودية المقدورة للمكلف الصالحة لإطلاق الوجوب بالنسبة إليها، ولا يلزم منه التكليف بغير المقدور لفرض قدرة المكلف على إيجاد المقدمات، وأن تركها ليس إلا باختياره، فعليه أن لا يتركها حتى يمتثل الواجب المنجز عليه.