شرعا ولا عقلا.
ثم إنه قال دام ظله: نعم إذا أتى بالمقدمات على الوجه المذكور فلا يبعد كون الإتيان بها على هذا الوجه موجبا لزيادة ثواب على الثواب المترتب على ذيها، نظرا إلى أن فعل ذيها على هذا الوجه أشق من فعله مع الإتيان بمقدماته بتشهي النفس.
وبعبارة أخرى: من أطاع واجبا مع إتيانه بمقدماته أيضا بداعي إطاعة ذلك الواجب فإطاعته له أشق من إطاعة من أطاعه مع عدم قصده في الإتيان بمقدماته إلى إطاعته، بل أتى بها بشهوة نفسه، ثم بدا له أن يأتي بنفس الواجب، فأتى به قاصدا للطاعة فيه وحده، ضرورة أن الإتيان بشيء غير مشتهى للنفس مشقة على النفس.
ولعل هذا أقرب المحامل لقوله تعالى - في أواخر سورة البراءة () -: ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله، ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه، ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله، ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار، ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح، إن الله لا يضيع أجر المحسنين () فإن ظاهره ثبوت الثواب على نفس تلك المشاق - وهي الظمأ والنصب والمخمصة وغيرها - وهو ينافي ما عرفت من عدم الثواب على نفس المقدمات، فأقرب محامله أن يكون المراد - والله أعلم - أنه إذا أصابهم في الجهاد في سبيل الله تلك المشاق يكون ثوابهم على الجهاد أكثر مما لو جاهدوا بدون إصابتها إياهم، بحيث لو وزع ذلك الثواب على تلك المشاق لكان لكل واحدة عمل صالح، كما أن أقرب المحامل